فيصل الزامل
تعبنا من النقاش حول الوضع السياسي، وربما ساعد التشبيه في دفع الملل عن هذا النقاش المكرر والممل، فالحديث حول الحل الدستوري بين الطرفين يشبه زوجا يحلف الأيمان لزوجته أنه لا يفكر بالزواج من امرأة ثانية، وهي ترفض التصديق، وتنقل لأهلها كلاما كثيرا من نوع «كم مرة يهددني، راح أتزوج .. راح أتزوج، آنا مليت من وعوده، ما أصدقه».. الأهل يسألون الزوج فينفي، وكلامه عنها «هذي رأس المال، هذي الحبيبة، من يفكر بواحدة ثانية وعنده هالقمر؟».
لم تحقق المبالغة في المديح من جانب الزوج الا المزيد من التشكك لديها، ولم تنتبه الزوجة الى ابتكار وسائل متطورة لاستبعاد فكرة زواجه من أخرى، أو خيانته لها، سواء بتطوير أسلوبها أو غير ذلك من مهارات الحياة، بل استمرت في تأكيد مخاوفها لأهلها، الذين أصابهم السأم والملل لتكرار هذا الحديث، فهم لا يعرفون كيف يثبتون أو ينفون مخاوفها، وكذلك الزوج أدركه الملل هوالآخر، فقد انتقلت الزوجة من التشكيك في كلامه الى التشكيك في رجولته «أنت أصلا مو قد هالأشياء، انت قادر على بيت واحد علشان تفتح بيت ثاني؟ ولا حتى تقدر على حاجات زوجة ثانية، آنا مأعرفك!» ويستمر التحدي والاستفزاز، وفي ظهيرة يوم يعود الزوج مرهقا من عمله فتحشره الزوجة في خانة ضيقة، وتنهال عليه وهو منهك بتلك الأقوال المعادة، فاذا بالأجواء المشحونة تنفتح عليه من جديد، وكالعــادة لم تنفــع تأكيــداته ولا عباراته المسالمة.
الزوج: «زوجتي الحبيبة، لماذا تدفعين الأمور نحو الطلاق؟»
الزوجة: «اذا كنت رجل طلّق».
وفي لحظة احتقان ينفجر بيت هذه الأسرة المسكينة بقنبلة مدوية كالانفجار البركاني الهائل، ويقع الطلاق، بينما الأبناء في ذهول، وتصل الأخبار الى أفراد أسرة الزوج وكذلك اسرة الزوجة وينتقل الخلاف من دائرة شخصين الى أفراد الأسرتين، كل منهما يؤيد صاحبـه، ويتشتــت «الشــعب» أو الأبناء، فهم في المدرسة نصف حاضرين بسبب نقص التركيز، وفي المساء تتلاقفهم أيدي السوء، وبدلا من أن يكون الطلاق حضاريا - حل دستوري - يأخذ العناد طريقه الى النفوس، ويترصد الزوج أبناءه لنقلهم الى حضانته، ويزدهر سوق المحامين عن الطرفين، فتكتب الصحائف - أو الصحف - بأعداد لا حصر لها من الأوراق، وتتعطل مصالح الأسرة سواء كانت كبيرة أو صغيرة، فالتعقيدات القانونية لا تسمح بالتصرف في البيت أو ما هو أكثر منه من الحقوق المشتركة.. وسجّل عندك.
الأبناء كالعادة هم الخاسر الأكبر، يشاهدون أسر معارفهم وجيرانهم - في دول الخليج - يعيشون في سعادة، يتضاحكون. ويتابع أبناء الأسرة المنكوبة أخبار رحلات تلك الأسر السعيدة، فالأم مع الأب يسافران وأبناؤهما معهما يقضون أجمل الاجازات، وتأتي في نهاية المطاف أخبار تخرّج الأبناء في الجامعة متفوقين، بينما تتعثر دراسة الفتاة، ويتشرد الفتى في سوق البطالة، حيث لا مؤهل يكفي لتعيينه في وظيفة مناسبة، فيلازم البيت.
من يرضى لبلدنا هذا المصير؟ وهل ينفعنا الانقسام بين الزوجين، أم أن وظيفة المجتمع هي جمعهما على كلمة سواء؟ وكيف ينجح الوسطاء اذا انحازوا الى طرف؟
ان الكويت تستحق من الطرفين، الحاكم والمحكوم، الكثير من الجهد لبناء علاقة سليمة متوازنة، وانتباها من الزوجين الى أنهما محسودان، وأن هناك من يتربص بهذه الأسرة ليسلبها الأمن والاستقرار - من بعض اسر الجيران - حيث ربما سمعت احدى تلك الأسر من يعايرها بهذا البيت الجميل الذي تم تشييده كأول بيت يبنى في المنطقة بهذا الأسلوب العصري الجميل، فأخذت الغيرة من هذا الجار كل مأخذ وهو يسمع تلك المعايرة من زوجته وأهل بيته، فأجمع أمره أن يزيل هذا المثال الجميل من الحي بالمرة، وأن يقنع أهل بيته بأن يرضوا به، فهو أفضل من في الحي، فلمّا وقع المحظور على رأس تلك الأسرة المسكينة، وتشتتت، اقتنع الحــي كله بأن ذلــك النــموذج لا يصلح للاحتذاء!
لقد نجح الجيران في تحقيق مآربهم، وكانت الزوجة المسكينة، والزوج والأبناء ضحية سهلة جدا جدا جدا، لتلك المشاعر القاتلة (ولات ساعة مندم).