فيصل الزامل
لابد لكل سفينة من ربان، وقد تحدث بالأمس سمو الأمير من موقع رئاسته للسلطات الثلاث وكونه المرجع الدستوري في حال اختلافها، وبيّن بوضوح استياءه من المحاولات المحمومة للزعزعة وأنه قد أقسم على الحفاظ على أمن واستقرار الكويت «لا أرى مبررا واحدا لهذه الممارسات غير المسؤولة، إلا أن يُقصد بها جر شعب الكويت الى التطاحن والتصارع، وهو أمر لن نسمح به، فهذا خط أحمر لا يمكن تجاوزه».
وأوضح من موقعه الرئاسي أن هناك أخطاء في العمل التنفيذي للحكومة وأن عليها تلافي تلك الأخطاء، وكذلك فإن لدى المجلس أخطاء دستورية تتعلق بالفصل بين السلطات وعليه أيضا أن يتلافاها، ومثلما نفى سمو الأمير وبشكل صريح وقاطع عدم اتجاهه الى الحل غير الدستوري لمجلس الأمة، فإنه ندد بأسلوب نشر الشائعات، وعبر عن تفاؤله بوقف التعدي على الدستور واحترام فصل السلطات، فقال: «بعض الممارسات كالتشكيك والتأزيم المفتعل انعكست سلبا على سمعة الكويت، وشوهت نظامنا الديموقراطي الذي نعمل جميعا على صيانته وتطويره فيما يخدم مصالح المواطنين».
لقد كان لافتا اتجاه سمو الأمير مباشرة الى المواطنين وسائر القوى الحية في هذا المجتمع بحديث مباشر شخّص فيه أوضاع الكويت داخليا واقليميا، رافضا أن يكون البعض مسكونا بهواجس ينفثها عبر الشائعات المسيئة مستخدما الصحافة والمنتديات الالكترونية للتعريض بالكويت، فالمنابر العلنية مفتوحة والقنوات الرسمية والشعبية متاحة، ولن ينفع هذا الوطن أسلوب الغمز واللمز والطعن بغير أساس سوى تلك الهواجس المريضة التي لم تعد تنطلي على الجمهور في الكويت. وعن دور أفراد الأسرة الحاكمة فقد كان كلام سمو الأمير صريحا، هم مواطنون مثل غيرهم، فيما يتعلق بحرية التعبير، وأما ادارة الدولة فهي مسؤولية دستورية لا شأن لهم بها، ولا يجوز استخدامهم - عبر الشائعات - مطية لتحقيق أغراض ضيقة على حساب الكويت.
كان لافتا أيضا انتقاد سموه للبيروقراطية المزمنة والتي تحول معها العمل الحكومي الى مفهوم جديد بعيد عن الانتاجية فقال «عدد موظفي جهاز البلدية فقط أكثر من جميع موظفي الحكومة الأردنية» ودعا الى تعاون السلطتين لإنجاح برنامج التنمية، وهو أمل عسير التحقق في رأينا، اذا لم تحسم الحكومة أمرها - سياسيا - وتغلق باب التدخل النيابي غير المشروع في أعمالها، فلن يستطيع أي نائب أن يتوقف، وحده، عن الضغط لتمرير المعاملات بينما تقبل الحكومة تمريرها لعشرات غيره وسيجد نفسه مضطرا الى سلوك نفس الدرب، والسبب هو التردد الحكومي، علما أن الممارسة السابقة أثبتت عدم جدوى هذا الاسلوب الاسترضائي الذي عاد على السلطة بالمزيد من الضعف وعرقل التنمية، كما أشار سمو الأمير في مثال التكدس الوظيفي كأحد أبرز معوقات التنمية.
فيما يتعلق بالتشكيل الحكومي، جدد سمو الأمير اعلان ثقته بالحكومة وبرئيسها، وأكد أن من خسرتهم الحكومة هم من الكفاءات الجيدة وأنهم قد ظلموا، وهو توجيه صريح من سموه - كرئيس للسلطات الثلاث - بالكف عن المناكفة الضارة، فقال «نتحمل الديموقراطية بصراخها، ولكن لا يجوز الاتهام والظلم» وهو موقف يشاركه فيه كثيرون ممن آذاهم وأزعجهم الأسلوب الحالي في انهاك الوزراء واعاقتهم عن العطاء منذ اليوم الأول لمباشرتهم أعمالهم، والمسحة الشخصانية في كثير من المواجهات باعتراف كثير من الاخوة النواب، واعراضهم عن تأييد استجوابات هي أقرب للكيدية من أي شيء آخر.
لقد جاء خطاب سمو الأمير في الوقت المناسب فالناس قلقة، ومنطقة الخليج تمر بأجواء متلبدة، بينما البعض لا يزال مسكونا بهاجس مريض ينفثه على الناس بميكروبات «الشائعة» المؤذية، ما يحمّل الرأي العام مسؤوليات التصدي لهذا الأسلوب المدمر، لقد دافع الكويتيون عن بلدهم في ظروف الخطر الخارجي، وهم مستعدون للدفاع عنه ضد الأمراض الداخلية التي تبلورت وانكشفت اليوم بالشكل والجوهر أكثر من أي وقت مضى.