مظاهرات مصر الاحتجاجية تنطلق هذه المرة من المعطيات الاقتصادية، وهي ليست شبيهة باحتجاجات «كفاية» ولا معارضة الإخوان القديمة الجديدة ولا حتى حزب التجمع الذي يتقدم عنده التغيير الثقافي على البرنامج الاقتصادي، ولأن هؤلاء جميعا لا ينطلقون من السبب الحقيقي الذي حرك الجمهور اليوم فإن أيا منهم لا يمثل «الحل» للمعطيات الاقتصادية ولا تمثل برامجه المعروفة علاجا ناجعا للمشكلة محل الاحتجاج، وللتوضيح أكثر فقد انتهت قبل أسبوع الانتخابات في البرتغال بفوز رئيس الحكومة نفسه الذي أجريت الانتخابات لإقصائه والسبب أن منافسه هو شاعر برتغالي قدير، ولكن خبراته في الاقتصاد فقيرة وهو بلا تجربة ولا حتى رؤية ما اضطر الناخبين لإعادة من أرادوا إقصاءه بسبب خبراته التي غطت ـ عندهم ـ على أخطائه، وكأن لسان حالهم «واحد تعرفه أحسن من واحد ما تعرفوش».. ولهذه العبارة مقابل محلي في الكويت.
في تركيا هناك معارضة ولكن الحكومة تتقدم في كل انتخابات على تلك المعارضة بسبب نجاحاتها الاقتصادية، الأمر الذي حصر المعارضة في زاوية محرجة، اما بالنسبة للجناح الكردي في الشرق فهو معارضة مسلحة، ويختلف عن المعارضة السياسية، التي هي موضوعنا اليوم.
عودة الى مصر، وعلى افتراض أن قدراتها الأمنية ستضع حدا للاحتجاجات الا أنها قد تحقق نتائج ايجابية في حال حدوث تغيير شامل في الإدارة الحكومية يتقدم فيها الجهاز المدني على أصحاب الرتب العسكرية من الألوية المتقاعدين المنتشرين في مختلف المرافق المدنية التي تحتاج الى مؤهلات مختلفة عما يحمله العسكري المتقاعد، كما أن هذا التغيير لابد أن يوازن بين تشجيع رأس المال المستثمر واحتياجات سوق العمل، سواء كان المستثمر محليا أو أجنبيا، مثلما فعلت مجموعة الخرافي الكويتية يوم أن اشترت مصنعا ضخما، أذكر تماما صيغة الإعلان الذي رافق تلك الخطوة، والذي قال «لن يتم الاستغناء عن أي من العاملين في المصنع، وسيتم تعيين خمسمائة موظف جديد خلال السنوات الثلاث القادمة»، وهذه ليست اشتراكية بل واقعية مطبقة في الغرب أكثر منها في الشرق، وتتم معالجة الجانب المالي منها بإعفاء مناطق معينة من الضرائب لعدد من السنوات بشكل مواز لتكلفة تلك الخطوات ذات الأثر الاقتصادي المضاعف على الدولة بشكل يفوق ذلك الحسم الضريبي.
لابد من حركة تغيير كبيرة في الجانب الحكومي في مصر، يقابل ذلك ضرورة تنبيه سائر القوى السياسية الى أن استغلالها للظرف لن يحقق لها أي مكسب كونه ظرفا اقتصاديا لا يمت لمطالبها بصلة مباشرة، ما يعني أنها ستنكشف بسرعة عندما تقفز الى السلطة بشكل قسري، ولن يطول بها الزمان حتى تتحول هي من صياد الى طريدة.
كلمة أخيرة:
من النكت المصرية المعبرة:
قال راكب الأوتوبيس لشخص يقف بجانبه: حضرتك ضابط؟
قال: لأ.
قال: أخوك ضابط؟
قال: لأ.
قال: ابن عمك ضابط؟
قال: لأ.
قال: حد من قرايبك ضابط؟
قال: لأ.
قال: أمال يا ابن (....) دايس على رجلي ليه؟!
[email protected]