المطالبة بتغيير النظام في مصر شيء ورحيل الرئيس مبارك شيء آخر، فالاول هو مطلب شامل يتجاوز شخص الرئيس مبارك حتى وان بدأ به، التغيير الشامل يهدف في نهاية المطاف الى تحسين معيشة الشعب من جميع النواحي، وأهمها الاقتصادية وهذه لا تتحقق بغير نظام دقيق يمنع الفساد، وحتى لا نضرب بالودع والتخمين، فلنأخذ ألمانيا كمثال، حيث نجحت في بناء نظام اقتصادي باهر تحولت معه من دولة مدمرة تماما بعد الحرب العالمية الثانية الى دولة تقود الاقتصاد الاوروبي بلا منازع، هذا الانجاز كان وراءه نظام قانوني متطور يختلف في منهجيته عن النظام القانوني الفرنسي الذي يميل الى الفلسفية، واذا كان التغيير المنشود في مصر يتصف بـ «الجذري» فليبدأ بتغيير وجهة القوانين من المدرسة الفرنسية الى الالمانية، وبالطبع لابد من وقفة توضيح بأنها قوانين تتصل بالشؤون المعيشية التي لا تتعارض مع الشريعة الاسلامية، وبالمناسبة ليس مثل الشريعة الاسلامية في مرونة التعامل مع القوانين المعاصرة، وهو أمر مشهود في القطاع المصرفي الذي وُصف ـ بضم الواو ـ قبل قيام تلك المصارف بأنه الاصعب توافقا مع الشريعة الاسلامية.
نعم تحتاج مصر ـ ومن ورائها العالم العربي الذي أخذ بالقوانين الفرنسية ـ لتقييم الاضرار التي تحملها عالمنا العربي وليس في هذا معاداة للثقافة الفرنسية بالمجمل فهي ثقافة عريقة ومحترمة وهذا شيء يختلف عن جودة الاداء في الميدان الاقتصادي والاداري الذي لا يقارن بالالماني، ويمكن اعتبار النجاح التركي امتدادا للنظام الالماني بشكل أو بآخر، يقابله تعثر مجموعة من الدول الاوروبية التي طغى فيها الجانب الفلسفي كاليونان واسبانيا على العملي.
نعم، مصر اليوم تتحدث عن تغيير في التوجهات الاساسية وليس في شخص الرئيس مبارك فقط، وفي وارد تغيير الفلسفة التشريعية قد يحتاج رجال القانون في مصر الى وقفة مع الذات يتغلبون معها على الولاء للمدرسة التي هيمنت لمائة عام تقريبا في الميدان القانوني، فقد تلقى مشاهير القانونيين المصريين تعليمهم في فرنسا، واقتصر التعليم في ألمانيا على الصناعة وفنون الادارة وبالطبع لم يتمكن هؤلاء الناجحون المصريون من فعل شيء يذكر بسبب سيطرة رجال القانون على الارض والفضاء في رسم فلسفة الحياة، ولو تجرد هؤلاء من الانا وانتبهوا الى المعنى التاريخي الذي عبرت عنه حشود ميدان التحرير، والبعد الاستراتيجي الحضاري في مصير هذا البلد، الذي يمثل قنطرة عبور للامة العربية جمعاء لادركوا أن القيام بهذه النقلة هو أمر جوهري، وهو أفضل بكثير من استبدال حصان بآخر، ان التغيير الحقيقي يتطلب فتح نوافذ التفكير في البدائل التشريعية ـ مع تكرار الملاحظة بشأن الشريعة الاسلامية الغراء ـ وعندئذ تكون مسيرة تغيير «النظام» قد بدأت فعلا وأخذت المسار الصحيح، فيما أعتقد.
كلمة أخيرة:
نظام الجمعيات التعاونية في الكويت نفتخر به كونه يشرك المواطن في الربح والخدمات، الا أن نجاح أسواق خاصة في منافسته بقوة بالاسعار يكشف ثغرة كبيرة رغم أن تلك الاسواق تتكبد ايجارات ومصاريف تشغيل باهظة وهي جديدة بمعنى أنها لم تستهلك أصولها محاسبيا، فكيف تبرر الجمعيات هذا الانكشاف الذي دفع بأعضائها للتسوق في تلك الاسواق التي تقدم الجودة والسعر المناسب معا؟
[email protected]