كانت للأزهر الشريف مكانة كبيرة في العالم الإسلامي قبل 1952 مستمدة من ثقل مصر، ولكنها اختارت في ذلك العهد تقليص تلك المكانة من خلال تحجيم دور الأزهر في الخارج وتحويل الأوقاف الخاصة به الى خزانة الدولة عبر وزارة الأوقاف ما نزع عنه استقلاليته المالية، ثم الأدبية بتعيين رئيس الأزهر بقرار من الحكومة وليس المجلس الأعلى للأزهر، وكل ذلك كان يتم تحت شعار إصلاح الأزهر.
اليوم، بعد مرور أكثر من خمسين سنة على هذه الممارسة، وتغير وضع الساحة الإسلامية في العالم ككل وفي مصر بشكل خاص، ما الدور المنتظر من الأزهر؟ وهل ستتفهم السلطة الجديدة حجم خسارة مصر من فترة التحجيم؟ وهل سيتبنى الأزهر الجديد أطروحات تعيد إليه رونقه العلمي من جانب والقيادي في العالم الإسلامي من جانب آخر؟
نعم، آن أوان عودة الأزهر الشريف إلى موقعه الذي لا يقل أهمية عن موقع الفاتيكان من حيث الاستقلالية في الموارد والقرارات، ومن ثم صار ملاذا للعالم المسيحي وليس لايطاليا وحدها، وإذا نجحت مصر في إعادة الأزهر الى مكانته المستقلة فإنها تنزع المبرر من يد أي جهة تريد احتكار التفسير الديني المرموق، بفعل تلك الاستقلالية وحجم المصداقية، وإنما انفلت الزمام من يد كثير من الدول الإسلامية بسبب تجاهلها لمسؤولية الدولة تجاه شعبها في وارد الفكر الإسلامي المستقل، ما أدى الى تشكل فراغ وجد من يعبئه بشكل أو بآخر، الأمر الذي يتطلب مراجعة أضرار «الإصلاحات» التي تمت بحق الأزهر في العهود السابقة والتي أضعفت مخرجاته من العلماء التقاة الثقات، وإذا كان شباب كثر قد أسهموا في سد تلك الثغرة، وملأوا الفضائيات بالدروس النافعة رغم عدم اختصاص أكثرهم، ولكنها الحاجة، فقد آن الأوان كي يتقدم أصحاب الاختصاص تحفهم ثقة الناس التي تراجعت يوما ما لأسباب معروفة، نأمل ألا تعود.
لسنا هنا ندعو لأزهر يحركه الشارع ولا عالم مسيس مع هذه الفئة أو تلك، فإن قوة العالم هي في احتضانه للجميع، العاصي قبل الطائع والمفرط قبل المجتهد، وقديما قيل «تبسم العالم للعاصي تأليفا وتحبيبا من دلالات فقهه»، ألم يصف القرآن صاحب موسى (فوجد عبدا من عبادنا آتينه رحمة من عندنا، وعلمناه من لدنا علما)؟ فتقدمت الرحمة في المقام على العلم، وقد خسرت الأمة شبابا بعشرات الألوف في هوجة الإرهاب ممن كان بحاجة إلى تلك الرحمة التي يحملها رموز تنتشر في كل مدينة وقرية، لا يصعب الوصول إليها ولا التواصل معها، فتسكن إليهم نفوس تلك الألوف وتتآلف معهم لتحقيق مقصود الشريعة الغراء بغير اختطاف من أي طرف.
وفق الله العهد الجديد في مصر لتحقيق طموح عالم عربي وإسلامي، افتقد الأزهر الشريف ردحا من الزمن.
كلمة أخيرة: أصابت مصر أزمة ديون ثقيلة في عهد الخديو توفيق الذي التقى شيخ الأزهر، فقال له «ادع الله يا شيخ أن يخلصنا من هذه الأزمة العمياء» ومرت شهور التقاه بعدها فقال له «لم تنكشف الأزمة يا شيخ، هل هذا هو الأزهر الشريف؟ هل أنتم علماء الأزهر؟».
قال الشيخ: «نعم هذا هو الأزهر الشريف، وهؤلاء علماؤه، وقد قرأوا فيه حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه «لتأمرن بالمعروف، ولتنهن عن المنكر، أو ليسلطن الله عليكم شراركم، ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم».
[email protected]