فيصل الزامل
في انتخابات الرئاسة الاميركية الاخيرة استطاع الرئيس بوش أن يحول فوزه المشبوه في المرة السابقة أمام آل غور عام 2000 الى فوز ساحق عام 2004، حيث اعتبر الرئيس بوش موضوع الأمن القومي هو العمود الفقري لحملته الانتخابية، ما جعل طرح شريط جديد لابن لادن قبيل الانتخابات بأربعة أيام فقط يحقق زخما قويا لتلك الحملة، رغم عباراته الركيكة في المفاهيم الاسلامية المعروفة لدينا هنا في هذه المنطقة، مثل الكلام عن «نشر الحريات في العالم.. إلخ» وهو شيء غير مألوف في خطاب الجماعات الاسلامية المعاصرة، على الاقل بالصيغة الغربية التي جاءت في ذلك الشريط.
لا تكفي القدرات العالية تكنولوجيا وفنيا لمروجي تلك الاشرطة في فبركة ودبلجة الصور السينمائية الحية والمحاكاة المتقنة في لغة المتحدثين.. إلخ، مما برعت فيه صناعة الاشرطة السينمائية، لا تكفي تلك المهارات لإقناعنا بسبب اختيار التوقيت المريب الذي تطرح فيه تلك الاشرطة، مثلما حدث الاسبوع الماضي، عشية تصويت الكونغرس على العقوبات الاضافية ضد ايران، ما حقق زخما اضافيا للمعسكر الحربي المدعوم من شركات السلاح التي تمثل تجارتها ضعف حجم السوق النفطي، ولا يمكن لتلك الشركات المجازفة بتكدس السلاح في مخازنها وتوقف ابحاث التطوير بميزانياتها الهائلة التي تستفيد الى أبعد الحدود من وجود جبهات ساخنة لممارسة التجارب الميدانية على تلك الاسلحة الباهظة الثمن.
الاخراج السيئ للخطاب الاخير والمنسوب لابن لادن جمع الى عدائيته للولايات المتحدة واعلانه الحرب عليها وشحن جثث أبنائها اليها بالآلاف، جمع الى تلك الروح الدموية مطالبة الاميركان بالدخول في الاسلام والخضوع لأحكامه، في واحدة من أشد المثيرات العصبية لأي مجتمع وليس لأمريكا فقط، وهو طرح يخدم تماما ما أراده ذلك المخرج، اننا نتعرض الى استغفال كبير، يحوّل تنظيما بدائيا مفككا وملاحقا على مدار الساعة في كل مدينة على وجه الارض الى جيش جرار يقوم بعمليات قتالية تتطلب ترسانة سلاح ودعما لوجستيا وقدرات فنية متطورة جدا تتفوق على العدوين الاميركي والبريطاني مجتمعين، وهو بالضبط ما تريده شركات السلاح، حيث قد ترجح التمديد لبقاء القوات الاميركية في العراق بفضل ذلك الاستفزاز، ونجحت تلك الشركات في ضمان استمرار المعارك لأطول أمد ممكن حتى يستمر ارتفاع الاعتمادات العسكرية في الميزانية الاميركية عاما بعد عام وبمئات المليارات في كل مرة، وهي في محصلتها تلتقي مع السياسة الاسرائيلية، والكل رابح!
مطلوب منا السذاجة، وتقبّل أن هناك تنظيما سنيا - القاعدة - يترصد العلماء السنة والعلماء الشيعة ويقتلهم لاذكاء العداوة بين العراقيين، «سذاجة» تستبعد تماما الموساد المحترف في هذه الأمور، والمدجج بخبرات استخباراتية عريقة في منطقة الشرق الاوسط، وعنصرا بشريا مصدره يهود العراق العارفون بالأرض والبشر في بلاد الرافدين حق المعرفة، كل ذلك مطلوب استبعاده من اجل عيون ذلك «المخرج» وأشرطته!
لقد استفردت اسرائيل بالشعب الفلسطيني منذ سبتمبر 2001 وتخلصت من دولة اسلامية تقوم على الاساس الديني في أفغانستان، وحصرت الدول العربية مجتمعة بخبطة واحدة داخل سجن «تهمة الارهاب»، كل ذلك تتم تغذيته بأشرطة كاسيت رخيصة بين الحين والآخر.. «يا بلاش»!
لقد عرف التاريخ المعاصر جرائم لم ولن يُكشف من وقف وراءها، فقد تم دفن سائر الشهود مثل قتل الرئيس جون كيندي، وما يجري في حكاية بن لادن هو تكرار لتلك الجرائم التي تم دفن شهودها، فقد تم التخلص من بن لادن والظواهري، وانفتح الباب واسعا للمُخرج كي يصور الأمور كيفما شاء، فهو أمام جمهور يريد أن يصدّق، وليس له الا ان يصدق وإلا لاحقته تهمة «تفكير المؤامرة» الشبيهة بتهمة «اللاسامية» في الغرب، اذن ليسكت الجميع حتى يخلو الجو لذلك الحلف الجهنمي بين شركات السلاح واسرائيل.