فيصل الزامل
أدى الغياب التدريجي للدولة في لبنان الى انتعاش تجارة السلاح الذي أصبح يملأ المنازل، كما يقول الخبر، وتوافد الباعة من دول كثيرة لاستنزاف الافراد وقبلهم الاحزاب، حيث يتربع الكلاشنكوف على قمة الهرم الشرائي، لرخصه وتوافر قطع الغيار والذخيرة، ومصادره روسيا، الصين، بلغاريا، ايراني مقلد... إلخ.
هذا هو حصاد إضعاف الدولة، الذي يتعامل معه البعض (حتى عندنا) بتساهل، ان لم نقل بعبثية، فهناك قوة حاكمة معطلة للقوة الرسمية، مهمتها سلب اختصاص ادارة الدولة، واظهار عجزها بمختلف الصور والمناسبات.
هذه الظاهرة بدأت منذ أربعين عاما، وكانت مادتها هي الأحداث التي تمر بها المنطقة العربية.
على سبيل المثال، حدثت مظاهرات في الكويت عام 1987 دعما للانتفاضة الفلسطينية (فش فيها المتظاهرون غيظهم)، تحولت بسرعة الى صدام مع الشرطة الكويتية، ولم يشفع للكويت حجم دعمها للقضية الفلسطينية، وبالمثل كانت الحالة الثورية العربية تلقي بظلالها على الوضع الداخلي في معظم دول الخليج، ولا يعبأ المتأثرون بالفارق بين حسني الزعيم وعبدالكريم قاسم... إلخ، والاغتيالات السياسية في أكثر من بلد عربي، وبين التراحم والمودة اللذين يسودان الممارسة السياسية الخليجية، وفي الكويت لم يتعرض «المتأثرون» لحالة اعتقال سياسي حقيقي، رغم أنها أمنية عند بعض هؤلاء، حتى يكتمل المشهد العربي، ويتم نقل السيناريو بالكامل!
لا يوجد تشابه حتى في الحالة الاسلامية بين أعمال الارهاب والتفجير والحرب الدائرة منذ الثمانينيات في أكثر من بلد عربي، بين المتطرفين والدولة، ومع ذلك يتمنى «المتأثرون» - من غير الاسلاميين - انتقال تلك الظاهرة الينا، في حمى تقليد قريبة من الحالة المرضية.
أذكر أنني كنت جالسا في حفل مدرسي تم فيه تكريم طالبات متفوقات، ومن بينهن ابنة أحد الشهداء، كان ذلك بعد التحرير بثلاث سنوات فقط، فاندفعت المشاعر الحميمة لدى الجمهور، وكان التصفيق شديدا وحارا. عندها، التفتت طفلة صغيرة بين الحضور نحو والدها وهي تتمنى الحصول على نفس السيناريو (...) وقالت له: «يبه، انت ليش مو مثله شهيد؟!».
يا قوم، من عوفي فليحمد الله، وإن أهنأ الدول بالا هي التي لا تتصدر أخبارها الصحف بحوادث وقلاقل، وتعمل بهدوء على بناء حاضر ومستقبل شعوبها.
نحن نشارك اخواننا العرب والمسلمين أوجاعهم، ولكن ليس من المشاركة نقل سيناريو البؤس والتوتر رغم انتفاء أسبابه، ولله الحمد والفضل.
تقول العجائز عندنا: «ترى البطر موزين، له حوبة». ونحن نقول للمتأثرين بحالة التسخط «اتقوا الله في أوطانكم وأهلكم، اتقوه حق تقواه، يا ناس».