فيصل الزامل
اكتسب موقع الملك - او الملكة - في بريطانيا والنظام الملكي فيها اهميتهما لدى المواطن البريطاني من كون هذا النظام هو رمز لـ «اسلوب حياة» يقدس الدقة ويحترم المواعيد حتى صارت دقة المواعيد الانجليزية مضرب المثل في العالم، انها اعراف تقوم على الرقي والاهتمام بالتفاصيل، وانعكس ذلك على دقة القوانين الانجليزية فاستخدمها العالم مرجعا للخلافات في العقود الدولية، وحتى في الصناعة فالطائرات الاميركية الشهيرة تستخدم محرك «رولز رويس» بسبب الدقة وهو الجزء الاهم في الطائرة كما هو معلوم، يقابل ذلك تساهل الانظمة الاشتراكية بل واستخفافها بالاعراف التقليدية وعدم اكتراثها بالتفاصيل وميلها الى الطوباوية وخلط الاوراق، ابرز مظاهر الفارق بين الاسلوبين تجدها في ثبات الدستور الانجليزي غير المكتوب لعقود طويلة من الزمن بسبب قوة ومتانة سياج الاحترام للاعراف الحميدة في الوقت الذي تم فيه تعديل الدستور الفرنسي ثماني مرات في الخمسين عاما الماضية!
انها دعوة للنظر فيما تركته الانظمة الجمهورية على الشارع العربي العام - وليس في الميدان السياسي فقط - حيث الاستخفاف بالدقة في الاداء هو سمة عامة تجدها في مختلف الاعمال والوظائف، وحتى عندنا، فقد رأيت موقعا في مجمع تجاري قام فيه عمال بصيانة التكييف من جهة السقف، المرة الاولى رأيت عمالة آسيوية، وفي السنة التالية رأيت عمالة عربية، ولا تسل عن الفارق في النظافة بين المرتين، وهذا الامر ينسحب على سائر الوظائف، ومن مختلف الجنسيات العربية - والخليجية - باعتبار اننا في الكويت نمثل نظاما هجينا بين الملكي والجمهوري!
اذهب الى وسط مدينة الكويت، في منطقة الشارع الجديد «...» لترى الحواجز الاسمنتية البشعة وقد انتشرت في سكك ضيقة ومع ذلك تزدحم تلك الحواجز في تلك السكك الضيقة في السوق كما لو كانت قد وضعت على مدخل القيادة العسكرية لهيئة الاركان في الجيوان، تفرّجْ على الارصفة الترابية المليئة بالقاذورات هناك، ثم انتقل عزيزي القارئ الى المنطقة المحيطة بمطاعم الوجبات السريعة المنتشرة على شارع الخليج لترى مخلفات تلك المطاعم على البلاط، الذي كان فيما مضى احمر اللون، فتحول الى السواد بسبب الدهون، ولم تكترث تلك المطاعم بأنها في اجمل بقعة في هذه المدينة!
انها ثقافة عامة ستجدها في المطار وفي اي موقع تختاره، فقد اخترنا نظاما هجينا لا قيمة فيه للدقة ولا للتفاصيل، ما جعل اختطاف الدولة امرا سهلا يمكن ان يقوم به بضعة افراد قادرون على تشتيت ذهن الدولة واشاعة الفوضى فيها، انها طبيعة البلاد شبه الجمهورية - كحالنا - فالفارق بين ماليزيا النظيفة وجاكرتا الاندونيسية (الجمهورية) المليئة بالقاذورات فارق لا صلة له بطبائع الشعوب فهم من نفس العرق «المالي» ويتكلمون نفس اللغة تقريبا، ولكنه نظام الحكم المختلف في البلدين الذي انعكس على السلوك العام في كل مكان بين البلدين.
لقد كانت تسلية الاعلام المصري بعد سقوط الملكية هي التندر بالعهد الملكي السابق الذي كان يغسل ارصفة «شارع فؤاد» بالماء والصابون، في ذلك العهد بدأت حملة مكافحة ظاهرة ابناء الشوارع، ففُتحت مدارس ومساكن لهؤلاء، لبسوا الملابس الجديدة وبدأت مسيرة تعليمهم، ولكن بعد ان سقط النظام تحت طرقات الصراعات الحزبية والانقسام والاغتيالات وجاءت «الجماهيرية» تزايدت اعداد ابناء الشوارع، لتصل في القاهرة وحدها الى حوالي المليون فتى من سكان الارصفة ومواقف السيارات واسفل الكباري.
ان الطالب الذي يعجز عن الدراسة ولا يريحه الا فشل المتفوقين هو نقمة على نفسه وعلى الناس، ولو انه ترك الفرصة للمتفوق كي يساعده، وتخلص هو من الكسل والاستسلام للشعور بالعجز، انه لو فعل ذلك لتحول الى متفوق آخر وربما تجاوز اقرانه المتفوقين، هذا هو ملخص ڤيروس الحسد الذي تعاني منه كافة الانظمة الجمهورية.. وشبيهاتها!