استقبل الشيخ عبدالله السالم عام 1963 سفير الكويت في إحدى الدول ليسلم عليه قبل السفر، فقال له: «يا فلان، إنت اشتريت لبيتك بالسفارة ملاعق وشوك من ذهب وأواني ذهب، هل سمعت إننا نستعمل في بيوتنا هالأشياء حتى تعمل هالعمل؟! وهذه الأزرة الألماس اللي على ملابسك لا تليق ببلدك التي تمثلها، اذهب والبس مثل الناس وتعال سلم».. هذا واحد من مواقف كثيرة تبين رأي الذين حكموا الكويت في مسألة التواضع، فعندما زار الشيخ صباح السالم أحد الرؤساء العرب لاحظ كثرة قصوره وتقبيل الناس ليده، فقال له بصراحة بعد عبارات الملاطفة: «.... ولكنني أتعجب من كثرة القصور في المدينة الواحدة، وأيضا أسلوب تقبيل اليد، هؤلاء مواطنوك ورعاياك، لا تجعلهم يخفضون رؤوسهم» وكان تبريره «هذه عادات قديمة عندنا، والقصور ليست لي، وإنما للعائلة، سبقني إليها أناس، ويعقبني عليها آخرون» انتهى.
هذه النفرة من التفخيم الزائد هي التي جعلت الشيخ جابر الأحمد يزيل كلمة «المعظم» من اللقب الرسمي ليكون «أمير البلاد».. فقط، وهي التي جعلت الشيخ سعد العبدالله يهدئ من روع أحد العاملين حينما سكب أكواب العصير فأصاب بعضها ملابسه ما جعله يركض خارج القاعة من الخوف، فأرسل يستدعيه ليهدئ من روعه من شيء حدث قضاء وقدرا، ويمنحه مبلغا من المال.
أذكر أنني بعد التحرير في عام 1992 حضرت حفل زواج في فندق الميريديان، كان سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، يحفظه الله، هناك وبعد أن انتهى اتجه نحو المصعد للنزول، فلما لاحظ أن هناك أشخاصا يقفون خارج المصعد دعاهم للدخول معه قائلا: «المكان يشيل، تفضلوا» ثم ركب سيارته بلا موكب ولا حراسة، قلت لزميل يقف بقربي: «قبل سنة واحدة فقط احتل جيش ظالم هذا البلد، وكانت فيه كتيبة لها مهمة محددة هي القبض على الثلاثة الذين يمثلون الشرعية في هذا البلد، وهو أحدهم، انظر إليه يسير بلا حماية، ولو أنه فعل وانتشر رجال الشرطة في هذا الفندق لحمايته لكان في حادثة الغزو تبرير كاف، ولكنه لم يفعل، أسأل الله أن يحفظهم، ويحفظ البلد وأهله» انتهى.
هذا واحد من مواقف عديدة ترسم شخصية سمو الأمير، التواضع الجم، حتى أن سيدة مسنة التقته في العيد الوطني الأخير وأخذت يده لتقبلها فسحبها بسرعة، وانحنى هو مقبلا رأسها في حنان وتواضع رجل دولة امتلأ ثقة بالله، ثم في شعبه، وبنفسه الأبية.
تسطير هذه المعاني ليس مجاملة ولكن للتنبيه إلى أنها ليست حدثا طارئا في سيرة هذا الرجل، بل شيء جبلت عليه الكويت حاكما ومواطنين، ومن المهم التذكير بتلك السجايا في هذه الأيام بالذات، حتى يتذكر الغافل، فلا يقارننا بغيرنا.
كلمة أخيرة: أخبر الشيخ عبدالله الجابر - يوم أن كان رئيسا للمحاكم - أحد التجار بالحكم الذي صدر ضده فوقف غاضبا وقذف ببشته على مكتب الشيخ وخرج وقد تملكه الغضب، أشار الشيخ لرجال الشرطة أن اتركوه يذهب، ثم بعد أقل من ساعة رجع الرجل من السوق وطلب لقاء الشيخ عبدالله الجابر.
قال: «آنا طلعت عن طوري، سامحني».
قال الشيخ: «شفتك، وعرفت انك مو بحالتك الطبيعية، قلت خلوه لما يهدأ، هذا حكم القاضي، وأنت زعلت علي، آنا مجرد مبلغ»..هنا اجتمع التواضع مع التطبيق الصحيح لمبدأ فصل السلطات الذي كاد اليوم يختفي.
أسأل الله أن يحفظ الجميع بحفظه، وأن يجدد الجيل اللاحق ما درج عليه الجيل السابق، من مختلف مواقع السلطات.
[email protected]