فيصل الزامل
انه تساؤل مطروح لوجود شعور عام بأن الجانب الشخصي طافح هذه المرة في الاستجوابين المقدمين لكل من وزير المالية وكذلك وزير العدل والأوقاف، والحق الدستوري لا يجوز توظيفه للخلافات الشخصية وهو أمر تحول الى ظاهرة في معظم الاستجوابات الأخيرة، بدليل ان القضايا التي تتضمنها تلك الاستجوابات «المشخصنة» تذوب كالملح في الماء اذا تغير الوزير رغم ان تلك القضايا تظل قائمة في عهد الوزير الجديد.
بالمناسبة، لا أحد يفهم سبب استهداف الوزراء المتخصصين - التكنوقراط - كما في حالة وزراء التربية والأوقاف والمالية، في نفس الوقت الذي ينادي فيه عدد كبير من النواب بتعيين وزراء يحملون نفس صفات من يتم استجوابهم حاليا!
على أي حال ربما تميز الاخوة المستجوبون الحاليون بالموضوعية - حسب تجربة سابقة - وميلهم الى تركيز النقاش في جلسة الاستجواب بعيدا عن أساليب رأيناها في استجواب وزير النفط آذت التجربة النيابية والوشائج الاجتماعية في هذا البلد، فضلا عن أساليب غريبة تتمثل في القيام بجولة في المناطق السكنية لتأليب الناس على الوزير المستجوب، وجمع أعداد من المواطنين في القاعة مثلما يحدث في أي مباراة رياضية، وهي ممارسات تنزع عن النائب صفة المعبر عن ضميره، الى أشياء أخرى تتلبسه فيها حالة من الخصومة والتنافس السياسي، بينما الاستجواب هو نوع من أنواع التقاضي، له سمت ومنهج لا يجوز التفريط فيه.
اننا لو لمسنا تقاعسا في أداء الوزيرين المستجوبين حاليا لما ترددنا في دعم مساءلتهما، وستتيح مادة الاستجوابين ومحاورهما فرصة كبيرة للمجلس وللرأي العام للاستماع والتقييم العقلاني، فإذا تكررت ظاهرة جمع التواقيع لطرح الثقة قبل «الاستماع» فإنها ستكون محاكمة أخرى ظالمة وهو أمر لا يمكن السكوت عنه لأنه يثبت «شخصانية» الاستجواب وعدم عدالة من يقف وراءه، ونحن نعلم ان النواب المستجوبين حاليا يضعون الموازين الشرعية نصب أعينهم بالنظر الى منطلقهم المبدئي، الأمر الذي لا يسمح بتسلل ڤيروس «الغاية تبرر الوسيلة» ومسألة شفاء الغليل على خلفية ندوة تلفزيون الراي في موضوع وزير المالية، أو خلاف قديم مع نائب في حالة وزير الأوقاف، نأمل ذلك، حتى يتعلم الجيل الجديد اننا نمارس القيم التي نؤمن بها، واننا لا نكتفي بإلقاء الخطب عنها فقط.
ان من الأعراف الحميدة النأي عن تداول المسائل المعروضة على القضاء، والقضاء السياسي - عبر البرلمان - لا يقل حساسية عن القضاء الجنائي فهو يشتمل على اصدار أحكام بالإعدام السياسي، وفي ظل ظاهرة جمع تواقيع مسبقة لطرح الثقة، فإن المتهم يكون قد فقد فرصة الاستئناف التي أتاحها الدستور للنأي بالأحكام عن تأثير أجواء جلسة الاستجواب التي تتسم عادة بالهيجان الذي لا يسمح بإصدار أحكام غير متوازنة، ان أي انحراف عن صيانة هذه الحقوق هو تكريس للظلم، الذي هو ظلمات يوم القيامة.