فيصل الزامل
هذا الحماس الغريب لإقصاء أفضل العناصر الوزارية في الكويت لا تفسير له بتاتا، بدر الحميضي وقبله عشرات من أبناء هذا الوطن، القاسم المشترك بينهم هو الكفاءة والخبرة والعطاء بلا حدود، وهي مواصفات كافية لجعلهم غير مرغوب فيهم - عند البعض - هذا الأمر يتكرر بشكل واسع وتركيز مريب على هذا النوع من المسؤولين ويتحمل كل من طرفي السلطة المسؤولية عنه، فالقيادة السياسية التي اختارت هؤلاء مطالبة بدعمهم أو بألا تختار أمثال هؤلاء في أي تشكيل وزاري قادم، والنواب أيضا مطالبون بتغيير هذا الأسلوب، أو بالكف عن المطالبة بتعيين الأكفاء، وقبول تعبئة القوائم على أساس معارف فلان وأصحاب فلان حتى يكون الوزراء في مأمن من هذه المهانة حيث صرنا نستخدم عبارة التدوير بأسوأ مدلول لغوي لتلك العبارة.
لقد تحدث أحد النواب في مكتب عام في احدى الوزارات أمام عدد من المراجعين والموظفين حينما سأله أحدهم عن أخبار مجلس الأمة، وماذا ستفعلون؟ فقال «حالينه، حالينه» وهذا يجعلنا نتساءل: اذا كانت «الأجندة» هي حل المجلس وليذهب فداء لها خيرة أبناء الوطن، بل وشلل الدولة وانهيار اقتصادها، فهل تم بناء ذلك على حسابات ذكية جدا تقول إن الانتخابات على أساس الدوائر الخمس هي لمصلحة الداعين الى الحل في ظل توزيع جديد للناخبين، وهو غامض في آثاره على النواب الحاليين كونه وسع نطاق مسؤولياتهم الى عشرة أضعاف الوضع السابق الذي يعيشون الآن في خيراته، وهاهم يقذفون به بعيدا، متجهين بحماس غريب الى المجهول، أي ذكاء خارق هذا؟!
يا سادة، تتخلصون من أفضل الكفاءات الوزارية وتطعنون أنفسكم بأيديكم «انتخابيا» ونحن نلهث وراء طلباتكم، باعتباركم أعمدة الحكمة، ورمز الإخلاص للوطن، أليس هذا مسرحا هزليا يبكي أكثر مما يضحك؟!
من جانب آخر انعكست تلك الفوضى على الجهاز الحكومي في حالة غير مسبوقة من التردد والشلل سواء لإنجاز المشاريع أو لإنجاز المعاملات، فالأنظار تتجه باستمرار الى ذلك المسرح، والمعاملات لا ينجزها إلا النائب الأعلى صوتا، أما الوكلاء والوزراء فإنهم في حالة مزرية من الشلل، ما جعل الناس تقصد دواوين النواب لإنجاز أعمال تعطلت والوصول الى حقوق ثابتة، تجمدت بسبب ذلك الشلل، والأمر أوضح من أن نفصّل فيه.
لقد جاءت كلمة رئيس مجلس الأمة التي وجه فيها النصح الى القيادة السياسية معبرة بصدق عما يجول في الساحة الكويتية تجاه هذا الشلل، وأهمية حسم أسبابه (بعيدا عن الممارسات العقيمة والوسائل والأساليب التقليدية، والذهاب فورا الى مستلزمات عملية الإصلاح مهما سبب ذلك من ألم لتفادي تحديات قد تكون أشد صعوبة من ذلك الألم) والناس تنتظر، وتأمل أن تجد تلك الدعوة الصدى اللازم، فالكتل السياسية اليوم هي أسيرة التدافع مثلما يحدث عندما تتدافع الجماهير في ستاد رياضي مليء بالآلاف، فلا يملك أحد السيطرة على حركته، يجبره من يدفعه من الخلف على دهس من هو أمامه أو تحت أقدامه، ما يجعل الجهات المنظمة ملزمة باتخاذ قرارات مصيرية لإنقاذ «الدولة».