فيصل الزامل
العلاقة بين الاديان السماوية الثلاثة هي موضوع لقاءات تُعقد على مدار السنة وقد أعطاها لقاء خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بالڤاتيكان أمس الاول زخما كبيرا، وهذه العلاقة تشتمل على جانبين، «الاول» في الدين والعقيدة، و«الثاني» في التاريخ والسياسة، وقد ظلم الثاني الاول ظلما كبيرا.
على المستوى الديني فقد أسس الاسلام تلك العلاقة على التسامح في المعاملات الثنائية سواء في الشأن الاجتماعي أو التعامل الاقتصادي، بما يحفظ لكل طرف خصوصيته على قاعدة «لا إكراه في الدين» ولهذا لم تشهد منطقة الشرق الاوسط ما شهدته اوروبا في حروبها الدينية سواء بين الكنائس او ضد المسلمين واليهود في اسبانيا، أو في خارج اوروبا مثل الفلبين وغيرها.
على المستوى السياسي هناك إرث سيئ خلّفته الحروب الصليبية الدموية والتي تختلف عن دخول المسلمين الى اسبانيا المليئة بشواهد تؤكد أنه دخول حضاري، وأنه كان سببا لتحرير اسبانيا من استعمار الرومان الذي سام أهلها الذل والهوان، يقابله شيء آخر نثرته الحضارة الاسلامية في كل قرية ومدينة اسبانية.
نعم، لقد ظلمت السياسة العلاقة بين الاديان الثلاثة، وأي ظلم أكبر مما يجري في فلسطين على مدى ستين عاما من الذبح بلا توقف؟ ولهذا، فاننا سنوجّه الحديث نحو الجانب الديني الذي أكد على حسن العلاقة مع فئة (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا اليهم) وهي اشارة قرآنية كريمة للتمييز بين النوعين الاول والثاني في هذه المسألة، ومن المعلوم أنه لكل مقام مقال، فهناك الكثير من المعارضين لما يجري في فلسطين من أبناء الديانتين المسيحية واليهودية، بل وهناك من اذا سمع وفهم آيات القرآن الكريم (ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا انا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون، واذا سمعوا ما أنزل الى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين).
أكثر من ذلك، ان الرواية المشتركة بين الاديان الثلاثة لسير الرسل عليهم السلام (نوح والطوفان، موسى وفرعون، عيسى ومعارضوه وأمه.. الخ) تجد أفضل الاتساق فيها فيما جاء في القرآن الكريم، الامر الذي أزال الحيرة عن كثيرين في الديانتين، سواء قرر هؤلاء اعتناق الدين الاسلامي أو لم يقرروا (ان هذا القرآن يقص على بني اسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون).
نحن مطالبون بمتابعة الحوار الحالي بين الحضارات والمشاركة فيه وتطويره بالتعاون مع النوع الثاني من الطرف الآخر بما في ذلك اليهود لمعالجة الأضرار التي تسبب بها الساسة من نوعية اسحاق هرتزل، حيث لا يوجد أحد في اسرائيل يشك في أن الدعم السياسي للفكرة الصهيونية مرتبط بحقبة زمنية مؤقتة، وأن الولايات المتحدة خلال خمسين عاما أو أقل ستكون محكومة - انتخابيا - بقوى جديدة لا تدين للصهيونية بالولاء، سواء من المهاجرين الاسبان أو غيرهم، وعندئذ ستواجه اسرائيل قدرها، لهذا يشارك عقلاء تلك الديانات في تلك الحوارات بجدية سعيا لتفادي الطوفان القادم، ويهمنا أن نعمل نحن أيضا على تفاديه وذلك بإعمال مبادئ العدالة والتوازن في أقرب فرصة ممكنة.