فيصل الزامل
جيبوتي بلد صغير مقابل لليمن في افريقيا و هو عضو في الجامعة العربية، سكانه 700 ألف نسمة، لديه ميناء تعتبره اثيوبيا منفذها البحري الرسمي، فهي لا تطل على أي منفذ بحري آخر، وعدد سكانها 85 مليون نسمة، ما جعل 90% من حركة ميناء جيبوتي هي لصالح اثيوبيا التي تحصل من خلاله على كافة احتياجاتها من البضائع، الأمر الذي شجع شركة كويتية (المجموعة البترولية المستقلة) على اقامة مجمع للمشتقات النفطية هناك مع شركاء آخرين، حيث تخرج السيارات من المجمع بواقع 6000 شاحنة يوميا تتجه الى اثيوبيا، كما شجع استقرار جيبوتي السياسي هيئة موانئ دبي على التعاقد لإدارة «المنطقة الحرة» هناك، حيث تشرف هذه الهيئة الإماراتية على 54 ميناء حول العالم بما في ذلك موانئ في فرنسا - مرسيليا، كوريا، الهند.. الخ، ويبلغ عدد الحاويات (الكونتينرات) التي تديرها هيئة موانئ دبي ما يمكن، اذا تم صفه في خط مستقيم، الالتفاف به حول العالم 5 مرات.
أتيحت لي الأسبوع الماضي زيارة هذا البلد والاطلاع على المشاريع التنموية فيه، حيث انتقلت مع الوفد وعدد أفراده 60 شخصا يمثلون 56 دولة إسلامية الى «مجمع الرحمة» الذي أقامته لجنة الدعوة في الكويت بالتعاون مع هيئات خيرية أخرى متبرعة من قطر والإمارات، ويضم 500 تلميذ، وقد تجوّل الوفد بين المدارس التي يضمها المجمع (ابتدائي، متوسط، معهد حرفي، سكن داخلي، مطعم، مسجد، مبنى للإدارة) يدخل اليتيم وهو طفل الى المجمع فيلتحق بالمرحلة الابتدائية
ولا يتخرج فيه بعد سنوات من الرعاية الكاملة والتعليم إلا وهو يجيد حرفة يعيش منها بكرامة، اضافة الى السلوك الحسن وحفظ القرآن الكريم.
الملاحظة التي خرجت بها هي أن هذه الدول تحتاج إلى ما هو أهم من المال، انها الإدارة، فاذا جاء تدخل الدول المانحة مصحوبا بشركات متخصصة تقدم صيغة متوازنة للاستثمار ومعه «ادارة» المرافق الحيوية بالتعاون مع القطاع المحلي، فإن ذلك يختلف تماما عن رصد الملايين وتحويلها الى حساب الحكومة، أو حتى الى المقاول الذي ينفّذ المشاريع، ثم تنتهي الى أداء ضعيف يؤدي بها الى الهدر ونقص المنفعة، وتكون تكاليف اقامة تلك المشاريع ديونا تعجز الدولة عن الوفاء بها، و في نهاية المطاف يتولى نادي باريس اسقاطها لتصبح الخسارة مزدوجة على الطرفين المانح والمتلقي.
«هيئة موانئ دبي» هي مثال جيد لما يمكن للشركات الخليجية القيام به، حيث قامت تلك الهيئة بشراء شركة انجليزية متخصصة في هذا المجال، واختصرت سنوات الخبرة ثم انتشرت عالميا في فترة قياسية ليحقق لها الحجم الكبير وفورات مالية وتجارب فنية متنوعة، هناك العديد من الشركات الخليجية التي يمكنها تكرار هذه التجربة، خذ بعض الأمثلة: في قطاعات الصحة المستشفى السعودي الألماني، وفي حقل التعليم شركة الخدمات التعليمية، الكويت..الخ، تستطيع دول الخليج اختيار بعض هذه الشركات عبر المنافسة والدخول بشراكات معها في كل اختصاص لتحقيق الهدف التنموي من وراء اقامة المستشفيات والمدارس وغيرها بصورة فعالة ومفيدة لتلك الدول، و كذلك لشركاتنا التي يكفيها أن يتم امتصاص تحديات المرحلة الأولى للدخول، ثم تتكفل هي بالاستمرار بعدها والالتزام بشروط تنموية مقابل الدور الذي قدمناه لها.
انها المرحلة «الثالثة»، فقد بدأ العمل الإنساني منذ عشرات السنين عبر الإغاثة المباشرة (خيام، طعام، ملابس..الخ) ثم جاءت مرحلة تمويل بناء المشاريع بقروض ميسّرة قامت بها بنوك التنمية الدولية وصناديقنا الخليجية، والآن جاءت المرحلة «الثالثة»، انها مرحلة التدخل بـ «الإدارة» وفق صيغ جديدة مقبولة ثبتت جدواها.