فيصل الزامل
نشرة الأخبار، الإذاعية والتلفزيونية، وما تنشره الصحف من أنباء التفجير والقتل اليومي، اضافة الى تتبع صحفنا للحوادث المرورية والأمنية في سائر المناطق في البلاد، بل وتستورد ما ينقصها من حوادث وجرائم في المدن العربية، هذه الجرعة الزائدة من الأخبار المأساوية لها انعكاسات سلبية صحيا ونفسيا على المواطنين، وهي تتجاوز الحد اللازم للإطلاع، وتدخل في منطقة اشاعة اليأس من امكانية تحسّن الأمور، وتدعو ضمنيا الى الاستسلام أو الانسحاب، وهو ما نراه من ميل كثيرين الى مقاطعة قراءة الصحف، وميل الشباب الى متابعة المحطات الأجنبية مثل لقاءات المذيعة اوبرا، أو محطات الطبخ الأجنبية، والأفلام.
فرق كبير بين توعية الناس بما يجري وبين إغراقهم فيه، حتى لم يعد الانفجار الذي يذهب ضحيته 20 شخصا يثير الاهتمام الا اذا تجاوز العدد الستين والمائة وذلك بسبب التكرار والتركيز على جانب واحد بغير تطعيمه بأخبار ايجابية - بالنسبة للعراق - مثل بناء آلاف المدارس وترميم الجامعات وشق قنوات ري جديدة..الخ.
الصحافة الكويتية من جانبها يفضل بعضها أن يكون دفتر أحوال في مخفر، ذلك الدفتر الذي يسجل ما حدث في المنطقة السكنية التي يشرف عليها (هروب خادمة، سرقة، خطف قاصر، حريق في محول كهرباء، حادث مروري...الخ) هذا ما تفعله بعض الصحف التي تتذرع بأن هذا يشد انتباه القارئ، وتنسى أنها هي التي عودته على هذا الدرب، ولو أنها فعلت مثل «جريدة الشرق الأوسط» التي خصصت نصف الصفحة الأولى للأخبار الخفيفة ومثل ذلك في كل الصفحة الأخيرة، ورتّبت التبويب الداخلي ليحقق توازنا بين المادة الخبرية (السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، العلمية..الخ) هذا التوازن انعكس على القارئ ايجابا، فأصبحت - بحق - جريدة العرب الأولى.
القول بأن من لا تعجبه نشرة القناة الفضائية يمكنه أن ينتقل منها الى أخرى - لا يكفي، فنحن نعرف أن بعض الفضائيات العربية يتحمل المسؤولية عما آلت اليه الأوضاع من نشر للكراهة عبر تلك الحلقات التحريضية التي أقامت سورا نفسيا بين الناس سبق بناؤه على الأرض في بغداد وفي غيرها، هذه المحطات هي التي صنعت الواقع السيئ، وهي تكذب علينا اليوم بأنها «مجرد ناقل»، وفي الحقيقة هي مَن صنَع هذا الخبر المأساوي بل ووضع الأساس له، وسيقول التاريخ فيها قولته الفاصلة عما قريب.
يقول أحد المشاهدين «نشراتنا قتل وتفجير، ونشرة تلفزيون الإمارات افتتاح مشاريع وتوقيع صفقات واقامة معارض» وهي ملاحظة صحيحة، مع الحرص على الحصة اللازمة للإطلاع، بغير افراط ولا مبالغة.
وفي نفس السياق نشير الى تغطية بعض الصحف للأخطاء في أداء الوزارات، وهو مطلوب بغير افراط، فمن واجب الصحافة رصد أوجه القصور، ولكن أليس من الرصد الصحافي تتبع الانجازات والأداء الرائع للكثير من المؤسسات والعاملين المخلصين أيضا؟
لا نريد شيئا أكثر من التوازن، فبالاتزان تسير مركبة الحياة، واذا فقدت المركبة بعض توازنها انحرفت وتباطأت الهمم وخارت العزائم... وسلامتكم.