فيصل الزامل
حضرت ندوة للعالم الكبير الأستاذ والعم صالح العجيري ولن اقلل من هذا الوصف، رغم انه يفضل تسميته بالباحث تواضعا، الندوة عقدت في مسجد عيسى العثمان بالخالدية، تحدث فيها عن موضوع رؤية الهلال، ولم يخف العجيري تألمه لاستمرار الخلاف في اسلوب اثبات الرؤية، وعدم اعتماد العلم الحديث لنفي الرؤية الخطأ، وليس لاثبات الرؤية الصحيحة، بمعنى أنه اذا استحالت الرؤية فلكيا، لا يمكن قبول شهادة من يزعم الرؤية، وتحدث عن رؤية هلال شوال الماضي، ووجود فرصة ضعيفة للرؤية، وأنه شخصيا التزم بما توصلت اليه الدولة في الكويت عبر هيئة الرؤية وأكد على سلامة الرؤية وعدم جواز الجدل في هذا الأمر.
كما بين العجيري أن الله عز وجل أخبرنا (يسألونك عن الأهلة، قل هي مواقيت للناس والحج) وبها نعرف مواعيد الصلاة وسائر العبادات، ولم يقل أحد بأن المؤذن يجب أن يقوم بعملية اثبات دخول الوقت بنفسه، ولم يطلب من غير المؤذن اللجوء الى قياس الظل ومثليه لإثبات دخول الظهر، والعصر، ولا نطلب من المؤذن الصعود الى المنارة ومعاينة كمال غروب قرص الشمس بنفسه، بعد أن توافرت لدينا أدوات منّ الله بها علينا لتحديد ذلك كله، ومن التضييق على الأمة أن يتم استثناء استخدامها في حالة رؤية الهلال، والرؤية الواردة في الحديث الشريف تشير الى الأداة التي كانت متاحة على أوسع نطاق وتصل الى الناس في بواديهم وحواضرهم، اليوم يسر الله عز وجل للناس أدوات مناسبة تعينهم على أمر عبادتهم، ولا شيء في استعمالها، هذا ليس رأي العجيري وحده، بل اجتمع عليه علماء المسلمين في عام 1978 في مؤتمر حاشد عقد في اسطنبول، لم يتخلف عن حضوره أحد من البلاد الاسلامية، بل ان مسلمي روسيا في ذلك الوقت كانوا تحت الحكم الشيوعي، ومع ذلك شارك في المؤتمر عنهم مفتى المسلمين هناك، وانتهت أعمال المؤتمر الى جواز استعمال الحساب الفلكي في نفي الرؤية غير الممكنة، ما يقلل من مساحة الخلاف الى أقل حد ممكن.
يقول العجيري: للأسف لم يتم العمل بتوصيات ذلك المؤتمر، ولم تتم الاستفادة من أبحاثه القيمة التي وضعت في الأدراج، والسبب هو توجهات سياسية تدور حول اعتقاد البعض أن المؤتمر اذا عقد في البلد الفلاني فان ذلك يحمل معاني ومضامين، بينما هو مؤتمر علمي بحت لم يكن لأحد سلطان عليه سوى قوة الحجة والدليل.
لقد كان الاستماع الى العجيري - 86 سنة - متعة وفائدة، فهو لايزال يتتبع الأبحاث العلمية في مجاله، ويحدثنا عن جهود الانسان للوصول الى كوكب المريخ، يقول «هناك استعدادات لتوفير فرص المعيشة في المريخ، وستذهب البعثة عام 2030 بعد أن ثبت وجود مياه في ذلك الكوكب، محتجزة تحت طبقات الأرض، وسيتم انشاء مجمعات ومستعمرات سكنية هناك يستطيع الانسان العيش فيها، وهو مشروع ضخم تكاليفه بالمليارات ويتطلب تعاون البشرية جمعاء لتحقيقه».
بغض النظر عن المريخ وغيره، الا أن النظر الى العلوم الحديثة بنظرة متفتحة هو المدخل الصحيح لإعداد أنفسنا لقضايا كثيرة كالمياه والزلازل والتسخين الحراري ..الخ، لا يجوز الانتظار بينما العالم يسير على قدم وساق استعدادا لما بعد عصر النفط، ويعتبر المياه والطاقة الموضوع الأبرز، بينما نحن عن ذلك مشغولون، خصوصا أن بيننا مثل هذا الرجل العملاق في علمه وفي تواضعه، نسأل الله له الصحة والعافية، وأن ينشأ جيل من العلماء يقتفون أثره.