فيصل الزامل
عرفت الداعية وجدي غنيم حينما كنت أؤدي صلاة القيام في شهر رمضان الماضي، ضمن أكثر من ألف مُصلّ أكثرهم جاء مع أبنائه في منطقة اليرموك، في تلك الليالي الجميلة استفاد الناس كثيرا من دروسه النافعة، ولكن.. لم يمر شهران حتى شُنّت عليه حملة قاسية على خلفية عبارة وردت في شريط سُجّل له قبل أكثر من 16 سنة، رغم ان الكويت في هذه الفترة راجعت علاقاتها مع دول مثل الأردن التي لم تكن مواقفها مجرد كلمات في شريط، فقد كانت الداعم الأول والأكبر لنظام الغدر في بغداد في تلك الفترة السوداء، ومع ذلك فقد تجاوزت الكويت حكومة وشعبا - ممثلا في شركات استثمارية تمثل شريحة كبيرة من الشعب الكويتي - عن «حزمة» مواقف سيئة، وهذا التجاوز يجب ان يتّسع ليشمل عبارة واحدة لداعية!
لقد أسهم النشر الصحافي المثير في تأجيج هذا الموضوع وتحديد طبيعة المواقف فيه تحت ضغط الإثارة الإعلامية، وقد سبقت لنا المطالبة بأن تستند المواقف السياسية - للعاملين في هذا الميدان من مبدأ شرعي - الى دراسة علمية وفتوى تبعد عنهم شرر هذا الميدان الذي وصفه بعضهم (.. نحن نعمل في السياسة وهو ميدان مليء بالوساخة) ما يؤكد الحاجة الى الدراسة الشرعية لتنقية المواقف المبدئية مما يشينها، فهاهنا رجل كثرت فضائله وزل لسانه في شأن كهذا، وكان منه الرجوع عما قال، فما هو حكم عقابه بالتحريض لمنعه من دخول البلاد.
اننا اذا لم نتحرّ موازين القسط، فإننا سنكون أمام مشكلة مع الضمير، فهناك آخرون كثيرون كانت لهم مواقف سيئة من مختلف المشارب، فهل سنفتح باب تتبع العورات على مصراعيه أم تتم الملاحقة بالانتقاء، وذلك في غياب الموازين وغيبوبة السياسة وذلك التنافس المقيت الذي يجعل العلماء والدعاة يتراشقون عبر صحافة تحتاج الى تراشقهم، وتسعد به أكثر من سعادة المتراشقين؟!
الدرس الكبير من هذه الحادثة هو الحذر من الميكرفون واللقاء الصحافي سواء بسواء، وأهم من ذلك هو الحذر من الأهواء و«اعجاب كل ذي رأي برأيه»، ولو ان المشتغلين بالعمل السياسي أتحفونا بمبادئ صافية رقراقة حول موازين «الجرح والتعديل» في القضايا المعاصرة، ونهلوا من مَعِين المدرسة الإسلامية في رؤية ثاقبة تواكب الحدث، لأضافوا تراثا ضخما الى الحضارة العربية والإسلامية في الممارسة السياسية التي تعيش كابوسا من الفوضى في المقاييس، وهو أمر يتطلب النظر الى المكاسب طويلة الأجل، والتي تتمثل في ازدياد احترام الناس للعمل السياسي ومن يمارسه بمبادئ!
اننا نضم صوتنا الى الأخ محمد العوضي في مناشدة الملك حمد بن عيسى - يحفظه الله - اتمام يده البيضاء بحق الاستاذ وجدي غنيم الذي وجد في البحرين الحبيبة الاستقرار والسكينة، ونشكر له موقفه الكريم في حق الكويت قيادة وشعبا، وقد كان من الاستاذ وجدي غنيم من البيان عن مكنون صدره بصريح قوله واعتذاره ما يسوغ معه طي هذا الملف، والله لا يضيع أجر من أحسن «المعالجة».