فيصل الزامل
أن تسمع عن سونامي شيء، وان تشاهد سيارات دفعتها امواج تتحرك بسرعة 500 كيلو متر بالساعة، وتحول تلك السيارات الى كرات معدنية تضرب بها المساكن كالمدافع، شيء آخر.
لن انسى محطة الكهرباء بمساحة اربعة آلاف متر مربع وبوزن آلاف الاطنان وقد حملها السونامي الى داخل مدينة باندا آتشيه حيث مسحت المحطة في طريقها احياء بأكملها، فلما تراجع المد البحري استقرت بوزنها الثقيل فوق احد تلك الأحياء فلم تبق به احياء، ولاتزال المساكن المهشمة قابعة تحت المحطة، بمن كان فيها من السكان، الى اليوم.
لقد بلغت قوة زلزال سونامي ما يعادل 36.000 ضعفا لقنبلة هيروشيما، ويعتقد العلماء ان هذا الحدث يشكل بالنسبة للجيولوجيين حقبة تاريخية جديدة، فكوكب الارض لم يعد بعد سونامي كما كان قبله، حيث يعتقد العلماء وجود صلة بين زلزال ايران الذي حدث في ديسمبر 2003 الذي خلف 26 الف قتيل وزلزال اندونيسيا الذي حدث في 2004 وخلف 140 الف قتيل، وهناك احتمال بتكراره في نقاط معينة، ربما كانت المكسيك، اسطنبول، سان فرانسيسكو، لوس انجيليس، او مدنا اخرى يمر بها خط النار.
الاستعدادات المبكرة مفيدة لخفض حجم الضحايا البشرية عبر التحذير المبكر، والسكوت هو تقصير فادح، والعالم مترابط في هذه المسألة، وربما كانت آتشيه التي اصابها الزلزال مثالا لما يحتاج اليه العالم، حيث عانت تلك المنطقة من حرب مستمرة منذ 30 عاما بين فصائل متمردة، والجيش الاندونيسي، فلم تتوقف اعمال القتال بين الطرفين لعشرات السنين الا بعد كارثة السونامي، حيث تم توقيع اتفاقية سلام سمحت للمساعدات الدولية بالوصول الى القرى المتضررة، ولم يكن ذلك ممكنا قبل ذلك الاتفاق.
نعم، ايران، تركيا، دول اخرى في منطقتنا مرشحة لضربة اقوى من سونامي بكثير، ذلك ان الزلزال الذي حدث وسبب السونامي يمثل 6% فقط من صدع جيولوجي طوله 3000 كيلو متر وهو لايزال يتربص بالبشر.
رأيت بقايا نباتات بحرية تركها ذلك المد البحري فوق مباني ومآذن مساجد، وكأنه يقول «سأعود» سواء هنا أو في مكان آخر، وربما كانت رسالته للناس «تعاونوا، أو الموت» فالكوارث الطبيعية كثيرة، واذا كنت انت اليوم بعيدا عنها فانها ستصل اليك يوما ما أينما كنت ايها الانسان، تلوث الغازات وآثاره، الجفاف، التسربات النووية، آثار الحروب، الملاريا، الايدز، الجراد..الخ، ولا يوجد بديل للتعاون الدولي لتخفيف آثار تلك الكوارث التي تضرب في موقع جديد كل مرة، وقد كان تواجد المساعدات الخليجية في كثير من تلك الحالات، وتكاتف المؤسسات العديدة من هلال احمر، جمعيات خيرية، صناديق وبنوك تنموية، مؤشرا على قدرات كبيرة في بلادنا، ومع ذلك فهي بحاجة الى التطوير، وتعزيز روح البذل، فما تقدمه اليوم لغيرك سيقدمه العالم لك يوما ما.
ان ضعفنا وصغر رقعتنا الجغرافية كدول صغيرة قد تعوضهما قوتنا في العطاء، واذا كان العالم يقف عاجزا امام ضخامة الكوارث الطبيعية، فاننا نتمنى ان يتحقق في اهل العطاء «صنائع المعروف، تقي مصارع السوء»، وفي الحديث الشريف «كل امتي معافى الا المجاهرين، وان من الجهار ان يعمل العبد بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره ربه، فيقول: يا فلان، قد عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه» متفق عليه.