فيصل الزامل
«شدوا حيلكم يا شباب، الحين وزيرة التربية، نسقوا الضربات ثم ننتقل بعدها للتالي...» هذا لسان الحال فيما يجري.
وقد لمست مما نشر ان عددا من النواب قد طفح بهم الكيل في وارد ممارسات الخلط بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، في رد فعل كريم منهم يعكس احساسهم بانزعاج المواطنين وسائر المشفقين على العمل النيابي، الاخوة النواب خالد العدوة، عادل الصرعاوي وغيرهما عبروا بصراحة كما قال النائب احمد المليفي «لا يجوز ان نطلب من وزير ان يقيل وكيلا كما يحدث في الصحة، ولا يجوز ان نطلب من وزير ان يبقي وكيلا كما يحدث في التربية» وهو تنازع صريح في الاختصاص يتصادم مع الدستور بل ومع المنطق، اذ كيف يمكن الجمع بين المحاسبة وممارسة السلطة التنفيذية في آن واحد؟
تعزيز هيبة الدولة مسؤولية وطنية والجميع بحاجة اليها، والدولة هنا تشمل السلطات الثلاث مجتمعة، وتحقيق هذا المطلب يتطلب ممارسة شبه يومية، تبدأ من اعلى الهرم الاداري وتمتد الى كل مواطن، وربما كانت مسؤولية الصحف وحدها تعادل مسؤولية السلطات الثلاث مجتمعة في تعزيز احترام تلك الهيبة او العكس، لما يحققه التهييج اليومي من آثار سيئة، سواء باستثارة بعض الصحف للنواب بطرق معينة، او بالنفخ في قضايا كالقروض وتحويلها الى ازمات سياسية تعتاش عليها المانشيتات ردحا من الزمن كي تنزف الدولة في صفها القيادي فداء لزيادة مبيعات هذه الصحيفة او تلك، وهذا لا يعني التقليل من الدور الايجابي للصحافة في تسليط الضوء على نقاط التقصير، لكن الاعتراض هو على استخدام تلك النقاط لهز الثقة بالدولة، وليس علاج اوجه القصور وهي ثقافة مدمرة، رأينا آثارها في الاطاحة بوزراء اكفاء باستخدام تلك الملاحظات، فإذا تم الاجهاز عليهم سكت المحرضون عنها، فالاصلاح لم يكن الهدف بقدر ما هو «اضعاف هيبة الدولة»!
هذه الهيبة هي التي فقدها اللبنانيون فجلسوا مشلولين لأكثر من عام في دوامة مخيفة، ونحن هنا لا نبحث عن هيبة القائد الفرد الذي يهز بندقيته في وجه الجماهير، بقدر ما نحتاج الى تعزيز مؤسسة الحكم التي يكون فيها الفرد القيادي هو احد عناصر وركائز تلك المؤسسة وليس كل شيء فيها.
نعم، قيادة الدولة تتحمل دورا رئيسا في تعزيز هيبة الحكم، سواء بزيادة معدل الانجازات وافتتاح المشاريع الجديدة، او معالجة اوجه القصور بعد دراسة كافية يليها اتخاذ القرار الحازم، الا انه لا يجوز ان يكون دور بعضنا هو السعي الحثيث لإفشال جهود تلك القيادة لتحقيق غايات ذاتية ضيقة على حساب المصلحة العامة.
عودة الى وزيرة التربية، كيف يمكن قبول هذا النوع من المحاسبة التي لا تكترث بالملاحظات التي سيتجاهلونها فور تحقيق هدف «هز الثقة بالدولة»، بينما نسمعهم ينادون بأهمية وجود المسؤول القوي ذي الهيبة؟! هذه الممارسة تكررت مع دستة وزراء رحلوا وهم يحملون نفس المواصفات، وهاهم يديرون مؤسسات ومراكز طبية وعلاجية بنجاح فائق، وكنا سنستفيد من قدراتهم الرائعة لولا منهج التدمير المنظّم للعناصر التي تتكوّن منها قوة الدولة وهيبتها.
ان الاخوة النواب الذين بدأوا فيما يسمى بـ «المراجعات» مدعوون لمتابعة الخطوات، وتتحمل الصحافة مسؤولية كبرى في هذا الصدد مثلما تنشر مراجعات جماعات اسلامية تقوم منذ بضع سنوات بمراجعة تجاربها، وهو امر لا يعيب احدا.