فيصل الزامل
كان بالإمكان لإيران الإفادة من لقاء الدوحة بشكل أفضل، بدلا من سرد مقترحات موازية لا تقيم وزنا للأولويات الأمنية التي يمكن بعدها الحديث عن التعاون في مسائل المياه والصناعة والتنقل بسهولة..الخ، وإذا كانت دعوة دول مثل إيران وتركيا للمشاركة في القمة كمراقبين قد تمت بمبادرة من الدولة المضيفة قطر، فإن تلك المبادرة كان يمكن تبنيها من المجلس بشكل مضاعف لولا تعاطي الرئيس نجاد مع القمة بشكل بطيء التفت فيه عن الأولويات، ما جعل تكليف القمة للدولة المضيفة بالرد على مقترحاته التفاتة مقابلة.
لقد أثبت نجاح مجلس التعاون في بلورة تصورات اقتصادية حول مواضيع هامة مثل (السوق المشتركة وتوحيد التعرفة الجمركية..الخ) وعدم توقف الجهود تجاه قضايا أخرى تجري متابعتها، أثبت ذلك التقدم ان العمل الجاد بعيدا عن الإثارة هو السبيل لتحقيق رفاهية الشعوب، وليس سرا ان المنفذ التجاري الرئيسي لإيران هو مدينة دبي، وفيها تعمل أكثر من 50.000 شركة إيرانية مسجلة هناك، ولو أرادت الولايات المتحدة زيادة التضييق على طهران فإن منع حكومة دبي من متابعة دورها اللوجستي لإيران سيتسبب لها بأذية اقتصادية كبيرة جدا، الأمر الذي يتطلب من طهران الاتجاه الى صلب الموضوع وعدم الدوران حول الملفات العالقة في ظل فرصة تاريخية مماثلة لما حصلت عليه الصين في تغيير علاقاتها جذريا مع الولايات المتحدة بالارتكاز على الأداء الاقتصادي الناجح، وأي فرصة أفضل من سعر 100 دولار للبرميل؟!
لقد اعترفت وكالة المخابرات المركزية الأميركية بأن المسافة بين إيران وتحقيق تقدم فعلي في برنامج التسلح النووي طويلة جدا، لا تقل عن عشر سنوات، وهذا يذكرنا بإصرار الرئيس جمال عبدالناصر على سياسة التحدي في إعلانه السعي لامتلاك القنبلة الذرية دون توافر أبسط مقومات الدخول في هذا التحدي، في المقابل فقد نجحت الباكستان في هذه المسألة عبر سياسة أخرى مختلفة تماما.
ان تكرار طهران الدعوة للاستغناء عن الوجود الأجنبي في منطقة الخليج بغير خطى جادة لطمأنة دوله يعكس تجاهلا لجوهر المسائل، فإذا أضفت الى ذلك التصريحات الاستفزازية تجاه البحرين والإمارات، بل ضرب ديبلوماسيين كويتيين بغير سبب سوى الكشف عن تعددية مراكز القرار في إيران، فإنك ستكون أمام دعوة «عملية» للإبقاء على القوات الدولية في المنطقة، إن لم نقل دفع سباق التسلح والتوجس الى آفاق جديدة.
لقد فشلت واشنطن في معالجة الملف الإيراني، والطرفان - كما يبدو - سعيدان بسياسة العناد المتبادل الذي أوصل العراق الى حالة الفوضى الشاملة في أغرب مشهد سياسي دولي، تسمح فيه واشنطن لإيران بإدارة الوضع الداخلي عبر الميليشيات، بينما تفرض على إيران حصارا اقتصاديا يستثيرها، ولا يؤثر فيها بشكل حاسم.
في ظل ذلك العجز (الأميركي/ الإيراني) فإن المنطقة بأسرها ستكون على صفيح ساخن، «تركيا» في شمال العراق وإيران في عمق داخله، سورية في قصر بعبدا، «الأكراد» في دوامة بين استقرارهم نسبيا كعراقيين، بينما هم في تركيا يقودون صراعا مسلحا منذ 30 عاما يرافقه عجز كامل عن ترجمته في صورة منجزات سياسية، هذه الفوضى الشاملة يمكن اعتبار العلاقة بين (طهران/ واشنطن) حجر البيدق الذي إن بقي حائرا فإن الكلام عن مقترحات «نجاد» وأي مقترحات أخرى كلام لا طائل من ورائه.