فيصل الزامل
سمعت صديقا من ماليزيا يتحدث عن ذكاء الصينيين الذين استوطنوا ماليزيا، وعندما افرط في الثناء قلت له: «لاشك في أن الشعب الصيني صاحب حضارة عريقة، ولكن عليك أن تنتبه الى ان «المهاجر» من اي بلد يختلف عن الانسان المواطن في ذلك البلد فهو يعيش اقصى حالات التحدي لاثبات الذات، وضعه القانوني مرتبك، وضعه الاجتماعي هش، ووضعه الاقتصادي وليس المالي فقط غامض - «الاقتصادي» يعني التكافل مع الغير - عليه ان يواجه ذلك كله بينما يتقلب المواطن في دفء المكان الذي عاش فيه آباؤه وأجداده في اقل درجة استفزاز لطاقاته مع محدودية في المخاطر الاساسية التي تستحق ان يقلق بشأنها، حسبما يعتقد، انظر الى المهاجر اللبناني في اميركا الجنوبية ودول افريقية كثيرة ومنسوب النجاحات التي حققها، ومثل ذلك يقال عن المهاجرين الاوروبيين وغيرهم الى اميركا، ولو رجعت الى النموذج الصيني لوجدت ان هناك في ارياف الصين الملايين من الفلاحين البسطاء الذين لا يمتلكون ربع طاقات الابداع التي يملكها المهاجر الصيني في ماليزيا وفي غيرها من البلاد، فالمسألة لا تتعلق بالجانب العرقي من حيث المبدأ، فالتعليم الذي انتشر في دول افريقية كثيرة - مثلا - انتج لنا طاقات رائعة من الافارقة، بينما كان آباؤهم قبل التعليم يعيشون حياة غاية في البساطة، ومثل ذلك يقال عن بلاد كثيرة، ومن الإجحاف تصنيف العالم بطريقة عرقية الى اذكياء وغير ذلك. فهذا التصنيف يمكن ان يكون داخل العائلة الواحدة، فضلا عن البلد الواحد، ولا يصح القيام بذلك التصنيف جغرافيا او عرقيا، والافضل ان يكافح العالم لنشر فرص التعليم وتطوير المهارات بتوفير أفضل فرص التدريب.
نحن في الكويت مثلا نعاني من الاسترخاء، فلا توجد اسباب حقيقية تتحدى الشباب وتطلق طاقات الابداع لديه، حيث لا يوجد تحد ناجم عن مواجهة احتمال خسارة الوظيفة كما يحدث في الغرب، بل على العكس من ذلك فقد انتشر عندنا مفهوم خاطئ لدور الدولة في توفير فرص العمل وتحول المفهوم الى فرض «التعيين» على الدولة لكل مواطن، الامر الذي ادى الى ازالة عنصر التحدي تماما من نفوس الشباب، فاذا اضفت الى ذلك كثافة الانشطة الاجتماعية التي تشغل ذهن الشباب وتصرفه عن التركيز الدراسي، مقارنة بما يحدث مع ابناء الوافدين الذين يشاهدون ما يقوم به افراد اسرهم من مجهود ضخم لتأمين فرص العيش والتعليم لهم، فيزداد حرصهم على التفوق، انك اذا تأملت ذلك فسيتبين لك ان الذكاء لن ينفع صاحبه اذا غاب التحدي، وربما تفوق عليه قريب له اقل منه حدة ذهن، ولكنه يواجه تحديات استفزت فيه طاقات الدراسة والتحصيل.
كان وزير النفط السعودي «الحالي» يعمل في شركة آرامكو قبل ربع قرن تقريبا، في وظيفة عامل بسيط، ذهب الى مكان شرب الماء فطلب منه مهندس اميركي الجنسية الا يشرب من هذا المكان المخصص للمهندسين وان يذهب الى مكان مخصص للعمال، استفزت تلك الحادثة د.النعيمي فدخل برنامج الدراسة المسائية، ومع مرور السنوات حصل على درجة الدكتوراه في الهندسة من الولايات المتحدة وترقى في الوظائف ليصبح رئيس شركة ارامكو، ثم وزيرا للنفط، واثناء رئاسته للشركة دخل نفس المهندس الاميركي الى مكتبه يطلب موافقته على قيامه بإجازة، فأمضاها له، وقبل ان يخرج التفت ذلك الاميركي الى الرئيس ليعتذر عن تلك الحادثة، فقال له د.النعيمي: «على العكس، يجب ان اشكرك عليها، فقد كنت افتقد تحديا بالشدة التي حصلت عليها منك لأتابع دراستي، شكرا كثيرا لك».
فائدة
منذ أيام شاهدت شريط برنامج «حياكم الله» للتلفزيون العراقي، ابان احتلال الكويت، خرج احد الجنود من الصفو - «يهوس» هتف وهو يقفز بينهم قائلا: الكويت ناقة وحلبوها... جابوها للجزار يقصبها..
ثم ردد الجميع وراءه الشطر الأخير من كلامه.
للذكرى فقط بمناسبة القصابين وذبائح العيد!!