فيصل الزامل
استقلت كينيا عن بريطانيا في بداية الستينيات وبالرغم من ان علامات الفقر في تلك الفترة كانت لا تزال موجودة، الا ان البلاد بشكل عام كانت تتهيأ لأن تكون زنبقة افريقيا، بعد رحيل الانجليز تولى الحكم جومو كينياتا، ومن بعده نائبه آراب موي، وتفوقت الحكومة على الانجليز في ملاحقة المعارضة بالقتل والسجن حتى امتلأت السجون، ولم تأت بداية التسعينيات الا والدولة منهارة تماما، وسيطرت عليها النزاعات القبلية التي شهدت ذروتها الشهر الماضي، وقد حاول آراب موي السيطرة من خلال تقسيم مقاعد البرلمان على أساس قبلي، فلما فشل رحل عن البلاد حاملا معه 3 مليارات دولار!
ثم انتخب رئيس جديد هو «موي كيباكي» وقدم وعودا من طراز «الفساد لن يستمر في هذا البلد بعد اليوم» ولم يطل به المقام حتى أنشأ هو الآخر «مافيا الجبل» بزعامته مدعومة بفريق من الوزراء والمنتفعين الذين نشروا الفساد في مختلف طبقات الادارة الحكومية، ما أدى الى انفجار السفير البريطاني في مؤتمر لرجال الأعمال عقد في نيروبي وقال «ان اسماء الشرفاء من الوزراء والموظفين الكبار في هذا البلد لا يتجاوز عددها ما يمكن تسجيله على طابع بريدي صغير» وأضاف قائلا «ان كينيا تملك ثروة هائلة ممثلة في ذكاء أهلها وحبهم للعمل، ولكن ماذا يمكن ان يفعل هؤلاء امام المحيط الهائل من الفساد الذي يطوقهم؟».
في الشهر الماضي انفجر الصراع القبلي والديني في كينيا بكل شراسة، وعرضت شاشات التلفزيون صورا للرجال الغاضبين وهم يحملون المناجل والفؤوس ويحرقون الاكواخ، وكانت أعمال العنف «المضادة» لا تقل عنها بشاعة حيث يتم حرق الناس وهم احياء بحسب الانتماء العرقي والمناطقي، لقد قسمت الديموقراطية الفاسدة النسيج الاجتماعي والروابط التاريخية في كينيا الى غير رجعة، وانتهت نزاهة الاقتراع في صندوق الانتخابات التي كان جيمي كارتر يتباهى بها الى افرازات قبيحة جاءت بديكتاتورية الصناديق التي فجرت تناقضات المجتمع الكيني في أسوأ صورة.
إنه سؤال محير، ففي اكثر من بلد «نامٍ» جاءت الديموقراطية بعد حكم استعماري، وأحيانا عسكري لتزيد الطين بلة، وتكون الاجابة عن أي تذمر من الفساد المالي والسياسي «هذه هي الديموقراطية» بمعنى انها مغفورة الذنب كائنا ما يكون ذلك الذنب، حتى لو قسمت الشعب شيعا وأحزابا، وكرست اسباب الكراهية والبغضاء بين الناس، وفشلت في مواجهة الفساد، واذا كان انتقاد نظام حكم اذا تستر بالدين جائزا، فهو جائز ايضا في وارد أنظمة تدعي الديموقراطية لتفوز بثلاثة مليارات - آراب موي - وكثيرون غيره أحلوا قومهم دار البوار كما في ديموقراطية العراق، التي سخر منها الرئيس الروسي بوتين أثناء حديث له مع الرئيس بوش حول نشر الديموقراطية، فقال له «على الطريقة العراقية؟».
فائدة
قنبلة المولوتوف قد يتم تصنيعها من زجاجة شبه مليئة بالبنزين، أو الخمر، ويتسبب انفجارها في حرق دبابة كما يحدث فعلا في مناطق الاشتباكات، غير أنهم لا يستخدمون الخمر لارتفاع ثمنها، بضع كؤوس منها تحرق قلب انسان وزجاجة تحرق عائلة بأكملها، اقرأ ما ينشر، وتفكر.