فيصل الزامل
نجح الأخ النائب د.سعد الشريع عندما تسامى فوق نفسه في موضوع الشريط، ونجحت الوزيرة نورية الصبيح في عرض اجابات واضحة كانت الأساس لحصولها على ثقة الأغلبية يوم أمس، وهي من الصور القلائل للاستجواب الراقي الذي مارس فيه الطرفان حقهما، بعد سلسلة من الاستجوابات من طرف واحد، يصدر فيها الحكم قبل سماع رد الطرف الآخر، ولنا أن نتساءل، لماذا تكون هذه الصورة الجميلة استثنائية، ولا تتحول الى أصل، وسابقة تحتذى بدلا من الحالة الثأرية غير المفهومة ضد الوزير حتى قبل أن يعلن اسمه في التشكيل الوزاري؟
هل من الضروري أن يكون مجلس الأمة مركز تسليط أضواء، يقدم خدمات على مدار 24 ساعة لوسائل الاعلام، أم أنه ورشة عمل متخصصة في مسائل بناء الدولة وحفز طاقات العمل فيها، يبحثون عن العناصر الفعالة والطاقات المخلصة فيرفعون من معدلات الانتاج فيها، شخصا كان أم مؤسسة، قطاعا اقتصاديا كان أم اداريا، يعاني من نقاط اختناق يزيلها فريق نيابي متعاون، أبعد ما يكون عن صفة (رجلا فيه شركاء متشاكسون، ورجلا سلما لرجل) كناية عن استقرار الادارة وعدم تنازع الاختصاص وتداخل المسؤوليات، بلغة اليوم.
اننا بحاجة الى وقفة مراجعة لهذا المناخ المرهق، واذا كنا اليوم في لحظة التقاط أنفاس فإن المنظومة القائمة لن تلبث أن تعيدنا الى «المشاكسة» كحالة مزمنة في نظامنا السياسي، لأنها تقيس النجاح بمقاييس ظالمة مثل عدد التصريحات وكمية الأسئلة، ما ينقل عملية بناء الدولة الى منطقة تشتيت الذهن ومعه كثرة الأخطاء الناتجة عن ضعف التركيز، الأمر الذي أوصل الناس الى الملل والاستعداد لنبذ الممارسة الديموقراطية - وليست الديموقراطية كمبدأ يقوم على الرقابة والمشاركة الصحيحة - وهو أمر شهدته دول عرفت العمل الديموقراطي قبل 100 عام مثل مصر وايران، وها هي تعيش افرازات قرن مضى من التعثر في ممارسة ديموقراطية قامت باستمرار على المشاكسة لم تفرق بين تدوير السلطة واستلابها، فالأول يعني اتاحة الفرصة لأكثر من أسلوب في ادارة الدولة بين الحين والآخر عبر صندوق الانتخابات، والثاني يعني استخدام الصندوق لتهميش الآخر، فلا تلبث قوى العسكر أو «الخارج» أن تقفز فوق الجميع، فتختطف الدولة والشعوب المغلوبة على أمرها.
ان الوقفة التي نطالب بها ليست شهادة سماح بانفراد طرف في الحكم، فالتسلط والفردية لا يوصلان الى خير أبدا، ولكنها مناشدة للقوى الحية أن تسمح لنا بما سمح به الدستور من مراجعة تزيد من المكاسب، وهو أمر لا يتحقق في بضعة شهور، ولا حتى في سنوات قلائل، لابد من السير في طريقين متوازيين، الأول يستفيد من الوقفة في استدراك ما فاتنا في عملية البناء في الخدمات الصحية والتعليمية والاقتصادية، والثاني يقوم بمراجعة هادئة لمنظومة العمل السياسي بغير استعجال أيا كان باعثه وبعيدا عن استرضاء أحد فقد بذلت الدولة كل وسيلة للاسترضاء، فتحولت الأكثرية الى حالة السخط للتكسب.
انها أمانة يتحمل نقلها الى الجيل القادم، جيلنا هذا.
فائدة
مقالة الزميل محمد الوشيحي في «الراي» يوم أمس حملت دعوة كريمة لنا جميعا لأن نرتفع الى مصلحة أبنائنا وحاجتهم في أن تكون لهم دولة، بدلا من الخنادق، قال الزميل «..لو فكرتم بهدوء أنه لو تعنصر الشيعي للشيعة والسني للسنة والقبلي للقبائل والحضري للعوائل، فبشروا عزة ابراهيم الدوري وأبناءه»، ثم حيا حسين الحريتي - ونحن معه - قائلا: «بأمثالك يتحرر الناس، فالجبناء لا يجرؤون على كسر القيود، اكسر قيود القبيلة دون أن تكسرها هي، وستجدنا بجانبك»... وأضيف هنا: «وكل صادق مع نفسه، حريص على المستقبل والاستقرار، سيكون معك».