فيصل الزامل
عبارة «عيال بطنها» يستخدمها البعض كبديل عن عبارة الدماء الزرقاء بسبب الملل من تكرارها، وهي تذكرني بالممثل فؤاد المهندس في دور مرشح يذهب لإلقاء خطاب انتخابي، يقف بسيارته بعيدا عن مقر الندوة، ثم يبدل ملابسه الفاخرة بأخرى مهلهلة، بالطو قصير الأكمام، قميص عتيق..الخ، ثم يتجه الى المقر، ويلقي خطابا ملتهبا حول أحوال البسطاء المساكين الذين يستغلهم الأثرياء، وبعد أن ينتهي يتجه الى مكتبه الفاخر ليدخن سيجارا كوبيا ويضع قدميه على الطاولة بغطرسة كاملة معتقدا أنه نجح في توظيف الكلمات على خير وجه، غير أن حاله ينكشف في نهاية الفيلم، تذكرت ذلك عندما سمعت عبارات توظيف المشاعر التي يطلقها أثرياء تنطبق عليهم تلك العبارات أكثر من غيرهم، ليشاغلوا بها أصحاب معاناة دنيوية متنوعة، ثم يذهب هؤلاء الى مكاتبهم الفاخرة وينجزون معاملاتهم عبر الهاتف، هذا الاستخدام السيئ لمشاعر الناس قد ينطلي عليهم لفترة قصيرة ثم مع تقدم المستمعين في السن وازدياد معارفهم يتكشف مهرجان الكلام عن عبث كله اثم في حق النفس والدين والوطن.
أذكر أن شخصا من المقيمين وهو من سورية اشتكى لي من كلام أصحابه في بلده (في أقل من عام بعد قدومه الى الكويت أصبح يملك سيارة مرسيدس) قال ذلك وهو يشير الى سيارته التي أكل عليها الدهر وشرب يقول «اشتريتها وهي في طريقها الى السكراب بأربعمائة دينار، تمشي يوما وتقف يومين، وكمان حاسديني عليها» انها طبائع بشرية ربما لا يملك بعض الناس السيطرة فيها على نفسه فربما حسد الغني الفقير اذا رآه يلبس لباسا نظيفا، الا أن الأسوأ منه هو تلك التصرفات التي يخدع بها البعض نفسه والناس فيصف نفسه بأقل مما هو عليه، رغم أنه من أوسط القوم مكانة ومع ذلك يتحدث بغير ذلك ليستدر عطف الآخرين، ويستثير سخطهم على غيره بطريقة «يا جماعة ده يهودي» التي قالها راكب باص في القاهرة بعد أن نشل المحفظة من جيب شخص كويتي فلما اكتشفه وأمسك بيده، سارع النشال الى الصراخ «يا جماعة ده يهودي» كان ذلك بعد حرب 1967 بثلاثة شهور فقط، فاندفعت مشاعر الغضب المحتقنة على اليهود وانهال الركاب على صاحبنا بالضرب بكل شيء وجدوه، بينما تسلل النشال هاربا ومعه المحفظة!
لقد دخلت مجتمعات كثيرة في نفق شحن القلوب وتأليب الناس على بعضها البعض، ففي العراق كانت البداية في تأليب زعامات طائفة ضد طائفة أخرى لتتمكن من السيطرة على طائفتها، ثم انفلت الزمام وصار في داخل كل طائفة من يؤلب أهلها هذا ضد ذاك، حتى انقسمت ميليشيات الصحوة للسنة على نفسها والشيء نفسه في جيش المهدي، ففي داخل هذه الميليشيات يراقب أعضاؤها بعضهم الذي صار غنيا ولابد من أن يقفز غيره الى مكانه ويؤلب عليه ليثرى هو الآخر، انها النزعة البشرية لا تعرف حدودا لشهواتها، المال، الرياسة..الخ، وما لم تكن لنا موعظة بما يجري على بعد بضعة كيلومترات منا الى الشمال ونكشف تلك الممارسات فإننا نسير الى «عرقنة» الوطن بخطى متسارعة، ونسلم رقابنا الى من قال الله عز وجل فيهم (ألم تر الى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار) والحمد لله ان في وطننا وعيا كبيرا لا يسمح لمثل هذا السلوك بأن يلبس على الناس أمر معاشهم ومعادهم.
فائدة
من أسماء الله الحسنى (المؤمن) ويقرأ بتشديد الميم، فهو سبحانه الذي يحقق الأمن للناس، ومن استعمله خالق السماوات والأرض في نشر الأمن بين الناس فقد ناله من صفة المؤمن مما يلي البشر، كما في كرم الناس وغيره من الصفات، وضد ذلك من يروعهم.