فيصل الزامل
بلغ الشيخ مبارك الصباح ان الامير عبدالعزيز الرشيد سيقوم بالهجوم على الرياض لاسترجاعها من الامير عبدالعزيز بن سعود عام 1902 - محرم 1320 - وان احدى القبائل الموالية له قد تحركت من ماء «الوقبا» متجهة الى الرياض، فأمر الشيخ مبارك قائده العسكري صقر الغانم بالمسير على رأس جيش خرج من الكويت لمنع ذلك الهجوم ونزل به عند ماء «اللصافة» وعلم بارتحالهم من الوقبا، فأمر بحمل كمية من الماء تكفي لثلاثة ايام وانطلق حتى لحق بهم وانقض عليهم انقضاض الصاعقة فكبدهم خسائر فادحة في الاموال والارواح وفرقهم، وبهذا احبط الشيخ مبارك عزيمة الامير عبدالعزيز على مهاجمة الرياض مرة اخرى. وصفحة اخرى من تلك الحقبة «بعد هزيمة الصريف عزم الامير عبدالعزيز الرشيد على مهاجمة الكويت، فأشار صقر الغانم على الشيخ مبارك بعدم انتظار وصولهم، وملاقاتهم في الصحراء لتجنيب الكويت الخطر المباشر، فاتجه صقر الى الجهراء حيث يحتفظ بالخيل والسلاح، واستنفر الجيش، فلما اقترب جيش بن رشيد من الجهراء وعلم بتلك الاستعدادت انحاز الى ماء «الصبيحية»، ومن هناك اغار على قافلة لقبيلة مطير واستولى على ثمانمائة رأس من الغنم والفين وسبعمائة رأس من الابل، ثم قفل عائدا الى حائل»، وكان الانجليز قد ارسلوا ثلاثة بوارج انجليزية نزل جنودها الى شواطئ الكويت وشاركوا في عمل تحصينات وخنادق مع الاهالي، غير ان التوغل في الصحراء لم يكن في خططهم ولا استعداداتهم، ما جعل تطبيق مبدأ «الهجوم خير وسيلة للدفاع» الذي اشار به ونفذه «صقر الغانم» سببا لرد بن رشيد الذي كان يتحرق شوقا الى الانتقام بعد «الصريف»، مثلما فعل في مدن القصيم التي ساعدت جيش الشيخ مبارك بالتموين لتلك المعركة.
لاشك في ان تضافر جهود الكويتيين كان سببا للحفاظ على الكويت من هجمات كثيرة، وتنشر الصحف لمحات من تلك الجهود وقد استحق صقر الغانم وقفة مماثلة، فالقادة العسكريون قليلون في الكلام، ما يجعل تأريخ اعمالهم بالغ الصعوبة، الا ان كلمات قليلة عن تجهيز جيش وقيادته وهجماته المظفرة تعني جهودا ضخمة من تنظيم الجند وتوزيع المؤن والسلاح وترتيب التمويل واستمالة الخصم القديم وتحييد المعاند ...الخ، ولولا ذلك لما تحققت تلك الغارات التي حمت الكويت والرياض من خطر لا يستطيع درءه حتى بوارج الانجليز وسفنهم.
وقد تعرض صقر الغانم الى دسيسة مثلما يحدث مع كثير من القادة المظفرين حينما يرى البعض ان شأنهم قد ارتفع كثيرا فتتملكهم بشأنه هواجس يتسلل من خلالها المغرضون، حيث سربوا الى الشيخ مبارك ان شخصا قادما من البصرة يحمل رسالة تفيد بوجود مؤامرة ضده وان صقر الغانم هو طرف فيها، وبالفعل وجدت رسالة مع احد القادمين تحمل رموزا وكانت الاساس لالقاء القبض على «صقر» وسمل عينيه اما حامل الرسالة فقد تم احتجازه لفترة قصيرة، كما يقول نفس المصدر، ما يشير الى حسن ترتيب مغرضين نجحوا في تشويه سمعة قائد افتدى الكويت بنفسه وعينيه، وقد حان الوقت لازالة ذلك الغبن، ولو تم تطبــيق
(إن الحسنات يذهبن السيئات) لأزلنا الحجة من ايدي المغرضين، فقد كانت الكويت بعد «الصريف» امام خطر ماحق قضى الله ان يكون رده على ايدي رجال شجعان كان «صقر الغانم» في مقدمتهم.
كلمة أخيرة:
يرحم الله صقر الجاسر الغانم، أسموه باسم خال والده تيمنا به، اعطى لوطنه فلبس الخاكي 38 سنة، لم ينشغل خلالها بنشاط تجاري او غيره سوى خدمة وطنه، متحليا بروح طيبة عرفها عنه كل من عمل معه او تعامل مع الادارة العامة للمرور منذ الاربعينيات يوم ان كانت «دائرة الامن العام».