فيصل الزامل
اعتذرت استراليا الى السكان الأصليين فيها عن معاملتهم بشكل غير لائق لمدة تتجاوز ثلاثمائة عام، كان هؤلاء خلالها مواطنين من الدرجة الثانية، يشاهدون الأحياء الراقية تقام للأوروبيين وخصوصا القادمين من بريطانيا، بينما هم يسكنون في الساحات الخلفية في مدن أقيمت على أراضي أجدادهم، ولم يستفيدوا من خيراتها التي خدمت التاج البريطاني والسكان الجدد لقرون طويلة.
الأسبوع الماضي أعلنت استراليا أسفها الشديد على لسان رئيس الوزراء والحكومة والبرلمان والناس في سائر المدن وتقبل الطرف الآخر ذلك الاعتذار المتأخر بروح طيبة عمادها بساطة هؤلاء القوم المسالمين الذين لم يقوموا بأي حركة عنف في مواجهة هذا الظلم ربما ليقينهم بأنهم سيلاقون مصير الهنود الحمر في أميركا الشمالية على أيدي الإنجليز، وفي أميركا الجنوبية حيث أبادت إسبانيا 15 مليون إنسان من شعوب المايا والأنكا، وقد سمعت هذا الرقم من محطة ناشيونال جغرافيك، ولكن، ماذا يترتب على كلمة «آسف»؟ فهؤلاء لا يملكون ذاكرة تقوم عليها هوية خاصة بهم، انهم أشبه بشخص يملك ثروة سرقها منه شخص وحبسه عشرات السنين، وفي لحظة ندم أخرجه من القبو ليعتذر إليه، فاذا هو لا يقوى على الكلام.
إن الإنصاف الحقيقي يستوجب الإشادة بالحضارة الإسلامية التي وصلت الى أبناء عمومة سكان استراليا، في الجزر الاندونيسية فلم تسلب من سكانها أسماءهم ولا لغتهم ولا نقلت الثروات كما فعلت ملكة إسبانيا «إيزابيلا»، واكتفت بتقديم رسالة الإسلام اليهم عبر المعاملات التجارية الصادقة فتقبلوا هذه الرسالة واستخدموها لتقوية حضارتهم الخاصة بهم، فلم يعرف لاندونيسيا والٍ تابع حتى للخلافة الإسلامية في دمشق أو بغداد، بل حتى دول وسط آسيا التي كانت تابعة للخلافة الإسلامية كانت تصدر إليها علماء أفذاذا من أمثال أبي حنيفة النعمان والبخاري ومسلم والنيسابوري وسيبويه وابن سينا، كانوا شركاء أساسيين في البنية التحتية للحضارة الإسلامية وبغيرهم ما كانت لتصل الى ما وصلت إليه، ولم يعرف عن العلاقة بينهم وبين دار الخلافة التبعية البغيضة.
أرسل والي طشقند الى عمر بن عبد العزيز يستأذنه في أخذ رسوم من الناس لبناء سور كبير حول المدينة فأجابه عمر: «حصّن مدينتك بالعدل، ونقّ طرقاتها من الظلم ».
الاعتذار الاسترالي هو خطوة في الاتجاه الصحيح، فقد قامت بريطانيا ببناء امبراطوريتها لقرون طويلة على خيرات المستعمرات في الهند واستراليا وافريقيا، واذا كانت اليوم تستقبل مهاجرين من تلك الدول فهو استحقاق طبيعي لتلك العلاقة العضوية مع دولهم، والشيء نفسه يقال لفرنسا بالنسبة لاستقبالها المهاجرين من شمال أفريقيا، ألم يعلن شارل ديغول حكومته من الجزائر بعد انسحابه من فرنسا اثر اجتياح هتلر لها؟ لهذا فإن احلال السلم الاجتماعي داخل دول الاستعمار القديم مع السكان من أصول أخرى هو اعتذار عملي يتجاوز كلمة آسف، لتعوضهم عن استغلال بلادهم 150 سنة، ومقتل مليون ونصف المليون في الجزائر وحدها لا لشيء إلا لأنهم لم يقبلوا أن يكونوا مثل «المايا » و«الأنكا».
كلمة أخيرة:
تميز رد فعل المسلمين في الدنمارك على تكرار نشر الرسوم الهابطة بالكثير من النضج، حيث أعلنوا أنهم سيمارسون حقهم في الاستنكار بالطرق القانونية، ولن يسمحوا باستدراجهم الى معارك متلاحقة لإشغالهم عن مسيرتهم في تعزيز دورهم في العمل السياسي والاجتماعي والاقتصادي في بلد صار موطنا لهم ولأبنائهم الى الأبد.