فيصل الزامل
ترك فيديل كاسترو الحكم بعد نصف قرن تصحبه هالة النجومية التي تغطي - عند البعض - على مأساة شعب فقير يلقي بنفسه في البحر المليء بأسماك القرش، لعل وعسى أن يحصل على لقمة عيش كريم إذا اجتاز هذا البحر، كانت كوبا أكبر مصدر للسكر في العالم ولكنها تراجعت الى المرتبة العاشرة، وتفوقت عليها السودان وغيرها، ومع ذلك فإن هالة «كاسترو» تتلألأ وتزداد نجومية، ولك أن تتساءل «كيف يجوز للصورة الكاذبة أن تطغى على الصورة الحقيقية؟» خذ زميله تشي غيفارا القائد الأكثر دموية في أميركا الجنوبية، قتل من رفاقه أكثر مما قتل من أعدائه، ومع ذلك فهو رمز جميل (...) للكفاح والنضال، والبعض ممن يعتبر هذا وأمثاله أبطالا، لا يلبث أن يصب عليهم اللعنات إذا ما أصابت سياطهم ورصاصهم أحدا من أحبائه.
لقد أشبع كاسترو شعبه الجائع بالخطب الطويلة، بعضها استغرق ست ساعات متواصلة، في تقليد رديء للقادة السوفييت، مثل ستالين وخوروتشوف، الذين أوصلوا روسيا الى العجز الاقتصادي المدقع ما أدى الى تفكك الاتحاد السوفييتي، ومع ذلك استمر كاسترو يخطب، وعندما أدركه عجز السن تفتق ذهنه عن نظام وراثي لصالح أخيه «راؤول كاسترو» وذلك في أحضان البلد الثوري الذي قامت فكرته على نقض الأنظمة الوراثية بدءا من روسيا القيصرية الى سائر أنحاء العالم، ولنا هنا أن نتساءل عن إعجاب العالم، أو جزء منه، بتلك السيرة المتناقضة، وهل يكفي أن يكون المرء عدوا للولايات المتحدة ليمحو ذنوبه السياسية والاقتصادية كافة؟
إن كرامة الإنسان هي أسمى ما تحققه أي دولة لمواطنيها وكل من يعيش على ترابها، وفي نظام كاسترو وأمثاله فإن إهانة المواطن هي الأساس الذي تقوم عليه الدولة، حيث يؤمنون بنظرية «جوع كلبك يتبعك» والشواهد على تطبيقها عندهم لا تحتملها هذه المساحة، فهل تستحق زعامات كهذه شيئا من الاحترام؟، يقول الكاتب أنيس منصور:
«زرت النمسا، بحثت عن البيت الذي ولد فيه هتلر، أجابتني امرأة مسنة تجلس في الشارع الذي كان بيت هتلر قائما فيه «تبحث عن بيته؟ انه هناك» وأشارت الى مكب زبالة، الشعوب تقذف بمن تسبب لها بالذل إلى النفاية، وتنظر إليه باحتقار كامل».
كلمة أخيرة:
رجع مواطن من اليمن الجنوبي الى بلده قبل سنوات، في المطار أخرجوه من الطابور وأهانوه ست ساعات، عندما خرج سأل رفقة السفر عن السبب وهو انسان عادي، قالوا له، كنت واقفا في الطابور وأنت رافع رأسك، استغرب قائلا، أعيش في دول الخليج رافعا رأسي دوما، لماذا أخفضه هنا؟ قالوا، هذا هو وضعنا، نظامنا الشيوعي لا يقبل إلا بطأطأة الرأس أمام رجال المخابرات وأعضاء الحزب.