فيصل الزامل
يرحم الله د.أحمد الربعي، كنا من اتجاهين فكريين مختلفين وانتهينا الى صديقين حميمين، والسبب هو شخصيته التي يحبها الخصم قبل الصديق، خاض انواعا كثيرة من التجارب كما هو معروف ولم يتردد في الحديث عن اخطائه بنفس الثقة التي يتحدث بها عن انجازاته وهي شجاعة تحسب له، ويفتقدها كثير منا، وسنفتقد اشياء كثيرة في غياب د.أحمد الربعي، هذه بعض منها:
خاض العمل السياسي في الكويت وخارجها، واليوم نحن نعيش مخاضا لا يملك الا د.أحمد الربعي - لا اعرف غيره - الشجاعة في تسمية الامور بأسمائها، فباسم الديموقراطية تجري اليوم ممارسات يعرفها الجميع، وليس مثل الربعي قدرة على انتقادها بغير تخوين من احد.
القدرة على عبور الحواجز بين الاتجاهات الفكرية، وهي قدرة يفتقدها من تعود على «الحراب» والقطيعة، وعجز عن الحوار المباشر، واستبدله بتسريب آرائه الى من يصوغها مادة صحافية «فلا ارضا قطع، ولا ظهرا أبقى».
حوارات الربعي في الفضائيات ممتعة، وربما امتلك آخرون مثل قدراته، ولكنهم قلة، وبغيابه نقصنا واحدا قل نظيره.
انتقاد الربعي للاتجاه الاسلامي لا يعكس خلافا مع الدين الاسلامي كما يظن البعض، بدليل ان الاجتهادات داخل التيار الاسلامي نفسه ايضا متفاوتة، وليس الربعي الوحيد الذي يحترم القيم الاسلامية ولكنه يختلف الى ابعد الحدود مع الاسلاميين، وقد تطورت هذه المسألة عنده مع مرور الوقت بمشاهدته نماذج رائعة في العمل الاسلامي سواء الخيري او الاجتماعي، وكان دائم الاشادة بتلك النماذج داعيا الى الاكثار منها.
حيويته ككاتب صحافي لامع داخل وخارج الكويت كانت مصدر اثراء دائم لهذه الساحة، ومثل اي انسان ناضج كانت رائحة التجارب الثمينة تفوح من الزوايا التي يكتبها، والفارق كبير بينه وبين من يتخندق عند طروحات عتيقة ومكررة رغم تغير المعطيات وتكشف معلومات اساسية كانت غائبة، في حين توقفت عند هذا عقارب الساعة الى نصف قرن مضى.
ايمانه العميق بالعمل التنموي برز في كتاباته وطروحاته، وحينما زار سلطنة عمان اشاد بنجاحاتها التنموية، وطلب زيارة السجن الذي دخله كما قال «دخلته غيفارا، وخرجت منه مانديللا» وحينما سئل عن تلك الفترة في احدى الندوات قال بشجاعة كاملة «مثلما ان هناك من كان له ماض واليوم هو متدين، فكذلك حدث معي في العمل السياسي»، حسبما اذكر.
لقد اتاح العمل السياسي في الكويت لمختلف الاتجاهات فرص الاحتكاك المباشر، لهذا تجد ديوانيات هذا الاتجاه تستضيف رموز الاتجاه المخالف لها، وفي رمضان يتزاورون، وفي مشاريع القوانين المفيدة للبلاد تجدهم يصوغونها معا ويتقدم بها خمسة اعضاء من مشارب متباينة، هذه فرصة ثمينة تحتاج الى تطوير عبر نفسيات منفتحة على العمل المشترك، وربما كان د.أحمد الربعي واحدا من ابرز دعاته من داخل البرلمان وفي الشارع السياسي والمنتديات العامة، وهي صفة تحتاج الى رعاة جدد من مختلف الاتجاهات.
كلمة أخيرة:
قال احد موظفي البنوك «عميل يراجعنا منذ سنوات، اوراقه الثبوتية عراقية، جاءني منذ ايام وقدم جنسيته الكويتية قائلا: الحين آنا كويتي» انه نموذج جديد للتغيير في المستندات وما يترتب عليه، نحن مع إنصاف البدون، ولكن؟ ولو تتبعنا الامر لانتهى بجرجرة الموظف بدلا من المزوّر!