فيصل الزامل
في الوقت الذي يضخ فيه الاحتياطي الفيدرالي الأميركي 200 مليار دولار لمواجهة الأزمة الناشئة عن الرهونات العقارية، تقول التقارير الاقتصادية «وعلى النقيض من ذلك فقد كان للائتمان المصرفي والتمويل العقاري في منطقة الخليج دور ايجابي مؤثر في نهضة الحركة العمرانية وتوجيه فائض السيولة الى المشاريع عبر صناديق استثمارية».
هذه مسألة لافتة للنظر، حيث وصل تأثير الأزمة الأميركية الى مختلف أنحاء العالم، فتأثرت الصين والهند والبرازيل نظرا لأن تبادلاتها التجارية مع الولايات المتحدة وصلت في 2007 الى 2.1 تريليون دولار، وحتى البنوك الخليجية تضررت بـ 2 مليار، مثل بنك الخليج الدولي 757 مليون دولار، والمؤسسة العربية المصرفية 230 مليونا..إلخ، ما دعا وكالات التصنيف الائتماني الى الاعلان عن مراجعة تصنيف عدد من المصارف الخليجية، وصرحت وكالة موديز للتصنيف الائتماني بأن «البنوك الإسلامية بمنأى عن تلك المراجعات لعدم ارتباطها بأزمة الرهونات العقارية الأميركية».
بدأت تلك الأزمة مع تحويل البنوك نشاط التمويل الإسكاني الى اوراق مالية استثمارية رغم انها ليست عقارات استثمارية مدرّة للدخل، ما جعلها الأسرع تأثرا بقرارات رفع أسعار الفوائد مما أدى الى عجز المقترضين الأفراد، وقد «زاد الطين بلة» تحويل المصارف المقرضة تلك الديون الى جهات أخرى كأداة استثمارية بعد خلطها بديون أخرى أعلى مردودا لتحسين العوائد، الأمر الذي فصم العلاقة بين العميل ومنشأ التمويل «وهو البنك» الأقرب الى العميل والأعرف بظروف الدين والأقدر على اعادة الهيكلة والتنظيم الى جهات أخرى - مثل صناديق التحوط ومؤسسات التقاعد - مما لا شأن له بتصحيح أوضاع المدينين، وهنا نتوقف عند منع الشريعة الاسلامية بيع الديون الذي تتضح فائدته بشكل جلي في هذه الأزمة المليئة بالدروس الاقتصادية والمصرفية، فقد تسبب انخفاض الدولار في رفع الفوائد لتعويض نقص السيولة، الأمر الذي كشف الرهونات العقارية على النحو سالف الذكر.
انها مناسبة أيضا لتقدير دور الجهات الرقابية في متابعة الائتمان المصرفي، وبالتحديد «بنك الكويت المركزي» في تطبيقه لمركزية المعلومات ومتابعته الدقيقة، ومؤخرا قيام «مجلس الأمة» بتصحيح مسار الائتمان في الأنشطة العقارية لشركات اتجهت الى القطاع السكني كمنطقة استثمارية، والمطلوب هو التفريق بين المضاربين في هذه السلعة الحيوية والمؤسسات التي تقدم الخدمة السكنية للمواطنين بضوابط ائتمانية دقيقة على مدى سنوات طويلة بغير تعثر يذكر.
مرة أخرى، تحية للشركات التي وجهت السيولة الى مشاريع البنية الأساسية في منطقة الخليج وكانت شريكا في دفع النهضة العمرانية الى الأمام وابتعدت عن الاستثمار «بالوكالة» الذي تسبب في كارثة على مصارف كثيرة لم يطلها أي انتقاد رغم فداحة الخسائر التي تفرض مراجعة جذرية منعا لتكرار الكوارث والا فما فائدة الدروس؟!
كلمة أخيرة:
أدى الاستثمار البشري في المصارف الخليجية والشركات الاستثمارية الى زيادة قدرة أبناء المنطقة على الدخول في عمليات استثمارية محلية وفي المنطقة العربية - تحديدا في التطوير العمراني - وهو أمر لم يكن ليتحقق بنفس الدرجة لو استمر الاعتماد على العمالة «الغربية» في هذا القطاع، كما كان الحال قبل ثلاثة عقود من الزمن.