فيصل الزامل
ما حدث في البصرة وبغداد الأسبوع الماضي يشابه - للتوضيح - وجود حركتين شيعيتين في لبنان، واحدة منهما اقرب الى طهران من الاخرى (امل - حزب الله) ورغم ان الأولى أسبق تاريخيا الا ان الثانية اكثر التزاما بالسياسة الخارجية لإيران، وهي تستخدم خطابا مشابها لحزب الله «الاسلحة التي نمتلكها موجهة لمقاومة الاحتلال»!
في العراق عاش حزب الدعوة عقودا من الصراع مع نظام البعث وهو يحاول الآن ان يفكر بعقلية «الدولة» بدلا من عقلية الحزب، الا ان هذا الامر محل نظر بالنسبة لطهران التي تخوض صراعا مع الولايات المتحدة ولا تتقبل مجرد رفقة طريق كما يريد حزب الدعوة، بل «اما ان نعيش معا، او ان نموت معا»، فكان الدعم غير المحدود للبديل، بل بشكل رسمي بعد ان نقل مقتدى الصدر مقر اقامته الى طهران قبل شهرين تقريبا.
ان الحركات الدينية في المنطقة تعيش منعطفا مأساويا، فهاهي حركة حماس تتخذ من دمشق مقرا لقيادتها السياسية، وهو امر له تبعاته، فهذه «دول» لها اولويات لا تتفق بالضرورة مع الرؤية المحلية لتلك الحركات، وبالتبعية فهناك ثمن يجب ان يدفعه مواطنو الدولة التي تنتمي اليها تلك الحركات، كما يحدث في فلسطين والبصرة وبغداد.
في دنيا السياسة لا يمكن الاتكاء على الرابط الايديولوجي اكثر من اللازم، فالذي يربط طهران بحزب الدعوة او مقتدى الصدر ليس هو المذهب الشيعي، وهو امر اكثر من جلي وواضح في حالة (حماس - دمشق) بالاضافة الى (طهران - حزب الدعوة)، الامر الذي يستدعي من العمق السكاني في مناطق تلك الحركات الدينية الكثير من الحذر والمراقبة الصارمة، فقد قام جنود الجيش العراقي الحكومي في البصرة بتسليم أسلحتهم الى ممثلي طهران - تحت اسم جيش المهدي - والسبب هو اضطراب العمق السكاني في المدينة في فهم العلاقة مع ايران التي تعتبر جنوب العراق «كعب اخيل» بالنسبة للأمن القومي لها.
وعلى سبيل المثال، فإن العلاقة الاستراتيجية بين الكويت والمملكة العربية السعودية من جانب، والولايات المتحدة من جانب آخر، لم تمنعهما من الاختلاف معها في الملف الفلسطيني، وفي مسائل اخرى لكل من البلدين على حدة، مثل رفض السعودية استخدام اراضيها ابان الحرب الاخيرة ورفض الكويت منح عقود لشركات اميركية بغير اتباع الاسس الفنية، تحديدا «انرون». هذه القدرة على قول «لا» ليست ممكنة بالنسبة للحركات السياسية التي تجمع خياراتها كلها وتضعها في يد دولة تواجه ضغوطا كبيرة وضربة عسكرية - او قانونية - محتملة، وتحتاج الى درع بشرية تمتص تلك الضربة، وقد نجحت ايران كل النجاح في تحويل الاضطرابات الموجهة اليها نحو العراق ومرّغت السياسة الاميركية في مستنقع اكثر تكلفة من مستنقع ڤيتنام، هذا النجاح دفع ثمنه المواطن العراقي بينما يتمتع المواطن الايراني بنتائجه، وهي مسألة فيها نظر!
كلمة أخيرة:
ما يقال عن الحركات السياسية الدينية، يقال ايضا عن بقية القطاعات السياسية والاجتماعية القبلية وغيرها، فقد ثبت بالقطع ان ترسيخ قيمة «الدولة» في الممارسة السياسية هو درع واقية للوطن بجميع شرائحه، واكثر المتضررين من ترقيق تلك القيمة واضعافها هو المواطن، فما يحدث في الدول القريبة التي تعاني اليوم هو نتاج عقود طويلة من التساهل في تقديم مفهوم الدولة وركائزه، فكان هذا الحصاد المر.