فيصل الزامل
نحن مضطرون الى متابعة أزمة الاقتصاد الأميركي، فالعالم مترابط، فهو اقتصاد ضخم أدى انهياره في عام 1929 الى انتشار الكساد العظيم في سائر أنحاء العالم ويعيش الأميركيون اليوم مخاوف تكرار ذلك الكساد الذي يرى البعض أنه لن ينتهي في أحسن الأحوال قبل عام 2010، وتكمن خطورة الأزمة الحالية في تسرب كتلة مالية ضخمة خارج النظام المصرفي بسبب أزمة الرهونات العقارية والمشتقات المالية الناشئة عنها التي أصبحت كالثقب الأسود يلتهم مليارات يتم ضخها الى الأسواق، ولكن آثارها في انعاش الأسواق لا تكاد تذكر، وقد علق أحد الاقتصاديين الأميركان قائلا «لقد أسرفنا في الانفاق كما فعلنا في 1929 وها نحن نواجه ركودا مشابها، وعلينا تحمل تبعات تصرفاتنا».
أسعار المنازل ارتفعت بشكل كبير وتم تقدير الرهونات العقارية على هذا الأساس، واعتبرت مخزنا للقيمة، ولكنها خسرت 7 تريليونات دولار من تلك القيمة المصطنعة، هذا الأمر نرى له شبيها في الكويت هذه الأيام حينما اعتبرالبعض قطاع السكن مجالا مفضلا للمضاربة، ما أدى الى أزمة رهونات عقارية مصغرة في الكويت، لنفس السبب!
ولو راجعنا أسباب ركود الاقتصاد الياباني قبل سنوات قليلة، رغم أنه زاخر بالإنتاجية، لوجدنا السبب في ضعف بنية المؤسسات المالية وسهولة اختراق الفساد لها، الأمر الذي قاد الى انهيار عدد منها وانتحار بعض مسؤولي تلك المؤسسات في فترة الركود، الشيء نفسه حدث في الولايات المتحدة ولن نكرر ما سبق الحديث عنه بالأمس عن تأثير الفساد على القطاع المالي هناك، فبدلا من الترحيب بالصناديق السيادية التي تضخ الى الاقتصاد الأميركي المليارات من الدولارات التي تحتاجها مؤسسات مالية عملاقة مرشحة للانهيار مثل «ستي غروب»، نجدهم يشنون حملة ضد تلك الصناديق، رغم أن غرضها الرئيسي هو اقتصادي بحت ولا تعاني من انحراف مديرين ينفخون في القوائم المالية طلبا للمكافآت، فهي صناديق حكومية سواء كانت من الصين أو روسيا أو الشرق الأوسط.
من المهم أن نستفيد من الدرس الأميركي فيما يتعلق باندفاع الشركات والبنوك نحو قطاع الاسكان الذي يرجع نموه واستقراره في أميركا الى دعم الحكومة له عبر انشائها مؤسستي ائتمان اسكاني ، وهو شيء مشابه لما تفعله الحكومة الكويتية عبر بنك التسليف ونظام الرهن، الأمر الذي يحتاج الى الحماية من تسلل المضاربات اليه، وهو ما تحقق جزئيا عبر خطوة منع الشركات من الاستثمار في المضاربات في القطاع السكني، ونحن بحاجة الى التساؤل عن جدوى المؤسسات الفنية الرقابية في الغرب (التصنيف الائتماني - أجهزة التدقيق المحاسبي والاداري) والتي تتبع اجراءات صارمة في الرقابة، ومع ذلك فقد عصف الفساد والضعف بأقوى اقتصاد عرفه التاريخ، ما يدعو الى مراجعة جذرية لنظرية «بيع المال بالمال»، والتي يعتبرها الإسلام محرمة كون المال ليس سلعة ولكنه أداة لقياس القيمة والمجهود، وهو أمر يستدعي من الاقتصاديين وقفة مراجعة لا تعرف المجاملة ولا المكابرة، فالكوارث ستطول مليارات البشر اذا ما تسبب الفشل الاقتصادي في نشر البطالة والمجاعة على امتداد الخارطة العالمية.
كلمة أخيرة:
اتصل طباخ أسرة بالجدة في بيت آخر يطلب اعفاءه من العمل، قالت الجدة «انت مثل ابوهم بعد ما توفت أمهم وأبوهم، ما يصير تتركهم، هذا بيتك، زيادة أزيدك.. و..» قال الطباخ «ماما، اليوم واحد ابريل» قالت «حسبي الله عليك، حتى انت».
معذرة عزيزي القارئ للمقال الاقتصادي الجاف، وهذا هو التعويض.