فيصل الزامل
الذين لا يتصورون حجم ازمة الغذاء التي تقترب من سائر دول العالم هم انفسهم الذين لم يصدقوا ان الماء سيكون اكثر كلفة من بقية ضروريات الحياة وانه سيباع بالكوب واللتر بأعلى الاثمان، وستكون معاناة نقص الغذاء اقل بالنسبة للدول التي ستستعد لذلك اليوم الذي اقترب كثيرا، على سبيل المثال: عندما ضربت العالم مجاعة سنة «الهيلق» وبعدها الكساد العالمي في عشرينيات القرن الماضي كانت معاناة الكويت اقل بكثير من غيرها بسبب 700 سفينة كانت تجوب موانئ الهند وافريقيا والخليج، ما جعل الكويت تستقبل آلاف النازحين اليها بسبب تلك المحنة.
الحقيقة الساطعة في هذا الموضوع ان العالم مترابط ويتأثر بالكوارث البعيدة جغرافيا، على سبيل المثال: نجحت تركيا على مدى اربعين سنة في اقامة مشروع «الغاب» الذي تطلب تحويل جزء من نهر الفرات لتكوين بحيرة ضخمة تروي سهل الغاب، الذي اضاف الى المساحات الزراعية اراضي تعادل مساحة بلجيكا بأكملها، وهو امر له انعكاسات على صادرات تركيا الزراعية من حبوب القمح والفواكه ..الخ، واليوم تشهد تركيا اضطرابات في هذه المنطقة التي استثمرت فيها مليارات كثيرة ليس للانتاج الزراعي فقط ولكن ايضا لانتاج الكهرباء عبر سدود مشروع الغاب، ما يعني ان احلال السلام في ذلك الاقليم يؤثر على الأمن الغذائي لسائر دول المنطقة، ومثل ذلك يقال عن الصومال التي تملك القدرة على تصدير اكثر من مليون رأس من الغنم سنويا، وقد تراجعت تلك الصادرات من اللحوم بسبب اضطرابات تشهدها الصومال منذ ثلاث سنوات.
لقد قامت الكويت بعمل رائد قبل اكثر من 35 سنة عبر قيادتها انشاء مشروع سكر كنانة في السودان والذي جعلها اليوم تتفوق على كوبا في تصدير السكر، وكانت هذه اجابتي لمن انتقد اهتمام الكويت بتطوير صناعة اللحوم في استراليا وتركها العالم العربي، فصححت له نقص معلوماته.
ان الحركة النشطة التي تشهدها الكويت لتعزيز موقعها كمركز مالي اقليمي تصب في صالح تحقيق الأمن الغذائي لها وللمنطقة، بالنظر الى تعدد الخطوات التي تحقق هذا الأمن، من مؤسسات تمويل التجارة ووسائل النقل والاستثمار في انظمة المعلومات، وبالعودة الى مثال «الاسطول البحري الكويتي في الماضي» فقد تحقق الأمن الغذائي لبلد صحراوي شحيح في موارده الزراعية، بسبب تلك الخدمات اللوجستية في قطاع النقل البحري، بينما عانت بلاد تملك الانهار، حيث تتجاوز احتياجات الأمن الغذائي الانتاج الزراعي «المجرد» الى عناصر صناعية ومالية وخدمية كثيرة.
ان استضافة الكويت للمنتدى الدولي في الاقتصاد الاسلامي في 29/4/2008 القادم هو حدث كبير يصب في صالح هذا الموضوع نظرا للتشابك بين مراحل تحقيق الأمن الغذائي، وقد قام سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد بادارة حملة دولية والاشراف على الاعداد الجيد لانعقاد المنتدى على ارض الكويت بحضور عدد من ملوك ورؤساء الدول والحكومات العربية والاسلامية، الامر الذي يستوجب من بقية الاجهزة الاقتصادية سواء الحكومية او في القطاع الخاص التقاط هذه المبادرة ومضاعفة نتائجها الايجابية، ونقلها من مناسبة عابرة الى نقطة انطلاق نحو اهداف كبيرة تخدم مسألة الأمن الغذائي وغيره من آفاق «التنمية المستدامة».
شكرا للشيخ ناصر المحمد، وللفرق المختصة العاملة على انجاح هذا الحدث الضخم.
كلمة أخيرة:
نسمع في الخطاب السياسي تأكيدا على دعم التنمية في برامج الدولة، والمرجو الا تمر مناسبات هامة مثل المنتدى المقبل بغير اكتراث، وان يتوافق الخطاب السياسي مع الحدث العملي!