فيصل الزامل
زرت مدينة «شي آن» الصينية الأسبوع الماضي، وهي التي يبدأ منها طريق الحرير المتجه إلى أوروبا عبر آسيا والبلاد العربية، تجولت في المدينة التي يعتبرها المسلمون هناك أقدم منطقة وصل إليها الإسلام بسبب وجود مسجد قديم فيها وهو فسيح الأرجاء وبمنزلة قطعة أثرية جميلة، وقد رأيت ثلاثة من الرسامين قد جلس كل منهم في ناحية يرسم جنباته وأسقفه المعقوفة على الطريقة الصينية ما جعل السياح يتوافدون أمامنا بأعداد كبيرة كون المسجد لا يزال قائما كما بني منذ 1200 عام، وفي جانب منه نصب من الصخر قد نقش عليه تاريخ البناء الذي يعود الى زمن الخليفة عثمان بن عفان ( رضي الله عنه ).
سؤال لك عزيزي القارئ: «أأكمل الحديث عن الصين، أم ننتقل إلى المعركة الانتخابية كما يسمونها؟» سبب السؤال هو «الحوسة» التي وجدتها عندما رجعت، ما علينا، كأنك تود متابعة أخبار الصين، إذن نكمل ولاحقين على العرس! حيث تشهد الصين تحولات كبرى ليست على المستوى الاقتصادي فقط، بل الثقافي أيضا، وتتجه نحو المزيد من الانفتاح رغم تاريخها المأساوي في هذه المسألة، ففي عام 1966 اندلعت «الثورة الثقافية» كما يسمونها، واستمرت حتى عام 1976 تم خلال هذه السنوات العشر هدم الكثير من الكنائس والمعابد البوذية والمساجد، وفتحت السجون أبوابها للملايين، فكان المسلمون يؤدون الصلاة فرادى متخفين، وقد تولت قيادة تلك الحملة الشرسة زوجة الرئيس ماو تسي تونغ إبان سنوات شيخوخته بمساعدة نائبه واثنين من أركان الحزب، بعلم ومباركة من «ماو»، تم خلال الحملة تطبيق قواعد شيوعية متطرفة أفضت إلى مجاعة رهيبة قضى فيها 20 مليونا نحبهم، وأصيب الآلاف بالجنون والأمراض، ولهذا فان الانفتاح الحذر الذي تشهده الصين في السنوات الأخيرة يمثل نقلة هائلة لا يعرف معناها إلا الشعب الصيني الذي يتداول بحزن شديد قصص حوادث السجون والاستخبارات والقهر الذي عاشه في «السنوات العشر الرهيبة» كما وصفها لي المترجم.
لقد عانت البشرية كثيرا من أسلوب التجارب الفاشلة في المسائل المصيرية بسبب عدم الاكتراث بفشل التطبيقات المشابهة، التجربة الروسية أدت إلى موت 22 مليونا جوعا، وكتب خروشوف في مذكراته «في مدينتنا تم اقتلاع لحاء الأشجار بالكامل لغليه وأكله بسبب الجوع» وكثيرا ما انتقد في خطبه السجون الرهيبة التي فتحها ستالين لشعبه، ومع ذلك كررت الصين تلك المعاناة، ونحن في الكويت نشاهد كوارث النظام الحزبي في العراق ولبنان ومع ذلك «خلونا نجرب الأحزاب» في صورة مأساوية من صور العبث بمصائر الناس، بينما كان الشيخ زايد يقول «نشوف أخطاء اللي قبلنا ونتحاشاها».
في الصين يتبع الديانة البوذية 1.2مليار نسمة، المرجع الديني لهم رجل في الثمانين من عمره اسمه «جنغ كول» كثيرا ما يستشهد في خطبه بآيات من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، واذا سئل عن السبب قال «الحكمة لا وطن لها» وفي يده مروحة من خشب القصب يحركها لتلطيف الحرارة وقد نقش على جانب منها آية قرآنية وفي الوجه الآخر حديث نبوي.
كلمة أخيرة:
جاء تحرك الكويت المبكر نحو الاستثمار في الصين في الوقت المناسب، وذلك بتوجيه من صاحب السمو الأمير يحفظه الله اثر زيارته لها قبل خمس سنوات، إنها رؤية اقتصادية ثاقبة تحققت هناك، وهو يدفع بقوة نحو تحقيقها في الكويت ما يتطلب حركة نشطة في الأروقة الحكومية، التوقيت أكثر من ملائم فلا تخسروه.