فيصل الزامل
كان انشاء الهيئة العامة لشؤون القصر قبل 75 سنة بمنزلة مفاجأة لوزير العدل العربي الذي زارها منذ سنوات، وقف عند باب المصعد مع مودعيه، نظر الى السقف ويده في جيبه، ثم قال وهو يهز رأسه: «سبقتمونا بسبعين عاما، ترى كم من الايتام والارامل في بلادي فاتتهم رعاية كهذه خلال هذه السنين؟» وبعد اسبوع وصل وفد من وزارته مكون من 6 مسؤولين الى الهيئة وتم انشاء هيئة للقصر في بلاده بالافادة من التجربة الكويتية، هذا مثال لمكونات الاقتصاد الاسلامي، والتي من بينها تبني سمو الامير الراحل فكرة تأسيس بيت الزكاة التي طرحها السيد جاسم الخرافي عام 1976 في مشروع قانون لم ير النور بسبب حل المجلس، فأعاد تقديمه عام 1981 بالاشتراك مع السيد مشاري العنجري الذي قدم مشروعا آخر ايضا لتنظيم جمع وصرف الزكاة.
الاقتصاد ليس مجرد محاضرات وتحليلات تصيب وتخطئ، ولكنه رؤية مدروسة وواقع يتلمسه اهل الدراية والخبرة ثم يقومون بطرح حلول تعالجه، يستفيد منها الالوف من الناس، مثلما حدث بتأسيس البنوك الاسلامية والامانة العامة للوقف التي جعلت الكويت مضربا للمثل، حتى تبنى وزراء الاوقاف في منظمة المؤتمر الاسلامي التجربة الكويتية نموذجا لنقل تجارب تلك المؤسسات التي قامت على اساس علمي راسخ، سواء باطلاق مشاريع علمية ضخمة مثل «الموسوعة الفقهية» او تأسيس الهيئات الشرعية في المصارف والشركات العاملة وفق الشريعة كان آخرها بنك بوبيان على اسس فنية متطورة، ما جعل مصرفا عالميا مثل «سيتي بنك» ينقل التجربة الكويتية الى سلطنة بروناي، مستفيدا من العقود المالية التي تم تطويرها هنا، لانشاء محفظة استثمارية مليارية لصالح بروناي، وبادارة هذا البنك.
غدا، تبدأ اعمال «المنتدى الاقتصادي الاسلامي» بحضور صاحب السمو الأمير، واربعة رؤساء دول (الاردن، السنغال، البوسنة والهرسك، افغانستان) وثلاثة رؤساء حكومات يتقدمهم سمو رئيس الوزراء في مملكة البحرين، بالاضافة الى 14 وزيرا وممثلي 60 غرفة تجارية، وليس هناك افضل من المظلة الاقتصادية لالتقاء الدول والزعامات السياسية بعيدا عن السياسة وقريبا من العمل، حيث سيتم استعراض تطورات الاسواق المالية العالمية والاطلاع على التجارب الجديدة في تمويل مشروعات البنية الاساسية، ويتولى المعرض المصاحب التعريف بالمشروعات الكبرى لعدد من الدول المشاركة في «المنتدى» الذي دعا لانعقاده في الكويت الشيخ ناصر المحمد، في تطبيق عملي لتوجيه صاحب السمو الامير بتعزيز دور الكويت في الاقتصاد الاقليمي والعالمي، وربطها بأحدث التجارب الناجحة في عالم متغير، تطرح فيه كل يوم ادوات اقتصادية وتقنية جديدة، وهو هدف استراتيجي لتطوير رافد آخر يخفف من الاتكاء على النفط كمصدر رئيسي بنسبة تجاوزت 90%.
زيارات القيادة السياسية ذات الطابع الاقتصادي الى دول اخرى اثمرت، سواء في عقد «المنتدى» او توجيه الاستثمارات الى مناطق «ناشئة وصاعدة» لتوزيع المخاطر، وهو ما رأينا نتيجته في ازمة الرهن العقاري في اميركا، واليوم تقترب الكويت والدول الاسلامية من واحة اقتصادية اكثر انضباطا واقرب الى متطلبات التنمية من المضاربات في سوق لندن ونيويورك، هذه «الواحة» استقطبت الاستثمارات الاهلية قبل الحكومية في واحد من افضل الانجازات التي شهدتها منطقتنا رغم ما تعانيه من اضطرابات أمنية وسياسية، شكرا لكل من اسهم في الاعداد لهذا المنتدى وادارته.
كلمة أخيرة:
اشراف الديوان الاميري على تنظيم المنتدى - لوجود رؤساء دول - لا يقلل من دور وزارة المالية، المركزي، التجارة، الاوقاف، في متابعة الحدث وتطويره بعد انتهاء المنتدى، لتثبيت موقع الكويت في النشاط الدولي والاقليمي على المستوى الاقتصادي.