فيصل الزامل
التصويت في الانتخابات له وصف شرعي هو الإدلاء بالشهادة لفلان أو فلانة بالكفاءة للقيام بمهمة محددة، ولا يجوز الامتناع عن الادلاء بالشهادة، لقوله تعالى (ولا يأب الشهداء إذا ما دُعوا) وذلك على أساس اختيار الأقرب فالأقرب الى مبدأ (إن خير من استأجرت القوي الأمين)، فإن لم تتوافر تلك الصفة فإن اختيار الأقل ضررا يكون مندوبا، وبذلك فإن توجيه التصويت وفق الأهواء وبعيدا عن تلك المعايير يخالف الواجب الشرعي الذي يثاب عليه المرء، وقد سبقت لنا اشارة الى أن هذه المعايير لا تختص بمن يرفع الشعار الديني، فقد يكون قويا وأمينا - ومن الأمانة صلاح الدين - غير أنه ليس مرتبطا بتيار سياسي محدد، ولكنه أنفع من غيره في تحقيق المصالح العامة للبلاد والعباد، كما بيّنّا أن مقاييس الموقع النيابي تختلف عن مقاييس باقي المواقع، فبعضها يقدم اليه الأحفظ لكتاب الله عز وجل، وفي شؤون المعاملات المالية يقدم الأكثر كياسة في فهمها وتصويب مسارها..الخ، وبالمثل فإن العمل السياسي والتشريعي والرقابي له مقاييس تشمل الأمانة ونظافة اليد، سلامة الصدر من الضغائن، التحلي بأخلاق القاضي الذي يقضي بين الناس ولكل منهم عنده حق العدل والانصاف، فإذا لم يكن كذلك ثم جاء الى منصة القضاء وقد سبق منه الميل الى أحد فإنه لا يصلح لتولي مثل هذه المسؤولية.
الداعي الى طرق هذا الموضوع ما يظنه البعض أن العملية الانتخابية هي «لعبة سياسية» وهي تسمية خاطئة، نقلها بعضنا عن الانجليزية بشكل خاطئ، فكثيرا ما نقول «وتلعب الادارة دورا» أو «تلعب الرقابة المالية دورا»، نقلا عن كلمة «play» الانجليزية التي تستخدم هناك في مقام «تؤدي» أو «تمارس»..الخ، أما اللعب فهو قرين اللهو والعبث، قال تعالى (انما الحياة الدنيا لعب ولهو).
وأسوأ من الاستخدام اللغوي الخاطئ الممارسة العملية للنشاط السياسي بعيدا عن ميزان العدل، بدءا من فترة الانتخابات مرورا بالممارسات طوال العام والقائمة على نقل نصف المعلومة أو اتباع الظن وما نسميه اليوم الانطباع، متناسين اننا مسؤولون (قل أي شيء أكبر شهادة قل الله)، وقد وصف أحد المفسرين هذه الآية بقوله: «انه ايقاع رهيب ومزلزل، لمقام الشهادة أمام الله تعالى» القائل (إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا)، وقد جاء في الحديث «ويل للأمراء، ويل للأمناء، ويل للعرفاء، ليتمنين أقوام يوم القيامة أن ذوائبهم معلقة بالثريا يدلون بين السماء والأرض، وأنهم لــم يَلُوا عملا»، وقــد جــاء في الحـديث أيضــا «من طلب القضاء واستعان عليه، وُكل إليه ومن لم يطلبه ولا استعان عليـه أنزل الله ملكا يسدده»، وفي فهمنا فإن العمل النيابي هو قرين القضاء، ان لم يكن أشد وطأة في رفع الظلم ورد التعدي، الأمر الذي يجعلنا ندعو بالتوفيق لمن كُلف بالعمل بغير استشراف نفس، ولكن لقضاء واجب، فإن قيام هؤلاء بدورهم نيابة عنا، وما في ذلك من مشاق وتعب أمر يستوجب مع الدعاء توجيه النصيحة والمؤازرة على أساس (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان).
كلمة أخيرة:
اليوم حديثنا ديني، استجابة لواقع مستحق، تحملونا.