فيصل الزامل
رحل الشيخ سعد العبدالله، رحمه الله، تاركا في القلب غصة، فقد عاش حياته كلها من أجل هدف واحد هو تأمين الاستقرار لهذا الوطن في الداخل والخارج، وإذا كانت بطولاته في فترة التحرير أشهر من أن تذكر، فإن ما قام به لترسيخ مفهوم الدولة ومتابعة ما بدأه والده الشيخ عبدالله السالم هو ملحمة كبيرة أنفق فيها صحته ووقته كله، فلم تكن له أوقات راحة، بل عمل شبه متواصل لأكثر من نصف قرن، ولا يختلف اثنان في هذا البلد على تفانيه وحبه لوطنه أكثر من حبه لنفسه.
لم تعرف عن الشيخ سعد قسوة في التعبير أو فظاظة في القول، بل كنت تراه يرتاد مجالس الناس، ويستمع الى شاب في عمر ابنائه يتحدث بصراحة ويعبر عن آرائه بغير خوف، فإذا بالشيخ يحاوره بلغة المحب ويجيب عن مسائل يطرحها المتحدث من موقعه كمواطن ويجيبه الشيخ سعد من موقعه كمسؤول توافرت لديه معلومات ربما لم تتوافر للمتحدث، وتنتهي الجلسة فيخرج الشيخ ويعود المواطن الى بيته آمنا سالما، هذا اللين يتحول الى صلابة في الخارج حينما تتعرض الكويت الى تطاول غير مقبول، وهو بذلك اقرب ما يكون الى الوصف القرآني الكريم (أشداء على الكفار، رحماء بينهم) وقد كان البعض يظن ان تسامحه في قضايا الداخل علامة على اللين أو التردد، فلما جاءت حادثة الاحتلال شاهدوا تأثير قراراته الحاسمة منذ اللحظة الأولى في حفظ الشرعية وقيادته المعركة السياسية سواء على المستوى العربي او تحركاته التي اسفرت عن عقد المؤتمر الشعبي الذي شكل منعطفا في تاريخ الكويت، بما حمله من تلاقي ارادات الكويتيين بجميع اطيافهم، هذه التحركات اوضحت بجلاء الطبيعة القيادية المتميزة لدى الشيخ سعد، وانه بالفعل رجل المرحلة وقائد ميداني من الطراز الاول.
يرحمك الله يا أبا فهد، فقد حملت الكويت في قلبك منذ ان كنت شابا يافعا، كنت تقول لمن يندفع في السنوات القليلة التي سبقت الاحتلال: «أوضاع المنطقة ليست على ما يرام لابد من أن ننتبه يا اخوان»، مشيرا الى ان انتهاء الحرب العراقية - الإيرانية وتداعياتها، لم تكن تحذيراته من فراغ فقد كان يتمتع بشبكة علاقات عربية واقليمية بالتعاون مع رفيق دربه صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، وكان حريصا على نقل تلك المعلومات الى الساحة السياسية المحلية عبر مجلس الأمة، ومن خلال لقاءاته برؤساء تحرير الصحف المحلية، وهو بذلك يكون قد أبرأ ذمته، فالتواصل يكون بين طرفين، مرسل ومتلق، والتاريخ وحده سيحكم على تعثر ذلك التواصل وتأثيراته على الحياة السياسية في الكويت.
حدثني د.حسان حتحوت، فقال: بعد 26 سنة قضيتها في الكويت قررت التفرغ للدعوة الإسلامية في الخارج لأختم بها حياتي، سمع الشيخ سعد انني سأغادر الكويت فطلبني، في المقابلة رفض ان اغادر الكويت فلما ذكرت له السبب قال: «هذا شيء لا استطيع ان أمنعك عنه، فقط حبيت أتأكد انه لا يوجد سبب ازعجك، لا نملك إلا أن ندعو لك بالتوفيق»، كان لهذا الموقف تأثير كبير جدا على د.حسان، الذي كان في كاليفورنيا عندما سمع باحتلال الكويت، وكان لتحركاته الواسعة اثر كبير، حيث جمع 26 جمعية اسلامية - بعضها تردد في البداية - وأصدرت بيانا يطالب بانسحاب العراق من الكويت فورا.
هذا نموذج بسيط لتأثير الشيخ سعد، رحمه الله، على اشخاص كثيرين لصالح وطنه، بسبب خلقه الرفيع في التعامل معهم، ولا يتسع المجال لذكر أمثلة اكثر.
يرحمك الله أبا فهد، عرفتك عن قرب، ولن انسى صفاتك الحميدة ما بقي لي من عمر، اللهم ارحمه وتقبله في عبادك الصالحين مع الصديقين والشهداء، وحسن أولئك رفيقا.