فيصل الزامل
اتخذ بنك الكويت المركزي الاسبوع الماضي خطوة استهدفت الحد من التركز الائتماني في القروض الاستهلاكية وفي الاسهم والعقار، تجيء هذه الخطوة بعد اصدار مجلس الامة قانونا يمنع الشركات الاستثمارية من المضاربة بالعقار واستعماله كوسيلة لتسجيل ارباح شكلية لا تعكس قيمة اقتصادية مضافة، وليس ادل على سلامة الخطوتين من اختلاف الموقع الذي انطلقت منه كل منهما، السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، فقد لامس معدل الضغوط التضخمية حاجز 10%، وقد استنفرت دول اوروبية ادواتها الرقابية عندما تجاوز هذا المعدل 3%، ما يجعل خطوات الجهات الرقابية الكويتية، بمختلف مواقعها، مستحقة بشكل فوري (لاحظ ان معدل التضخم في الاعوام 2000 - 2004 كان يتراوح بين1 - 2%) وارتفع معدل نمو القروض الاستهلاكية من 19% الى 35% من عام 2005 الى مارس 2008.
«السياسة النقدية» هي اداة مهمة جدا ليس فقط في حماية مدخرات الافراد ولا حتى المؤسسات المصرفية لكن ايضا في توجيه الكتلة النقدية في البلاد وتحفيز المكونات الاقتصادية فيها لتعمل بشكل متوازن، من هنا فإن ترك النشاطين التقليديين الرئيسيين في الكويت (الاسهم والعقار) تحت التأثير الكلي لعنصر المضاربة هو امر له عواقب وخيمة، ولا يسع الدولة ان تكتفي بالتفرج الى ان يتعذر ايقاف تدحرج عربة الاقتصاد الى هاوية جديدة، في المقابل ندعو الى عدم الاكتفاء بالمنع والعمل على فتح مجالات جديدة موجهة الى اقتصاد الخدمات الذي يحتاج الى فكر متطور في التعامل مع تقييم المخاطر، وقد رأينا ان الفكر التقليدي لم يحقق الحماية لبنوك عالمية في التعامل مع الضمانات كخط دفاع رئيسي لمواجهة الانكشاف الائتماني، وليس صحيحا ان البنوك «الاستثمارية» هي وحدها القادرة على الدخول في صيغ استثمارية وتمويلية بل تستطيع البنوك التجارية والاسلامية ان تنشئ صناديق بعوائد اعلى من الودائع نظير تقييمها للمخاطر، وهو امر بدأ تطبيقه في السوق المحلي ويمكن ان يتحول من رقم هامشي الى رئيسي في انشطة البنوك، حيث لا تأثير لهذه الصناديق على معايير السيولة ولا على معدل كفاية رأس المال الذي تتمتع البنوك الكويتية بمعدلات مرتفعة وآمنة منه.
ان التعاون بين السياستين النقدية والمالية في تحقيق التنويع في الانشطة الاقتصادية في الدولة هام جدا، فهي منظومة متكاملة تشارك فيها الهيئة العامة للاستثمار التي تستثمر حاليا فقط في سوق الاوراق المالية لغرض الحد من الممارسات غير السليمة، ويمكن ان يمتد دورها - كمحفز - الى قطاعات انتاجية تحتاج الى رواد يفتحون الطريق امام بقية المستثمرين، الشيء نفسه يقال عن بلدية الكويت التي تتحمل دورا كبيرا مع وزارة المالية في تفعيل قانون تنمية مشاريع الـ b.o.t او الـ p.p.p، وجميعها صيغ مقبولة للتغلب على عنصر التكلفة الباهظ للاراضي ودوره السلبي والكبير في عرقلة اقامة المشاريع وادارة الخدمات.
لقد حقق تعاون الدولة مع القطاع الخاص نتائج باهرة، حيث لا يمكن للمنصف تجاهل تأثير تنفيذ مشروع محطة معالجة مياه الصرف في تحقيق وفر صاف للخزانة العامة خلال فترة العقد يصل الى 11 مليار دينار، وقد قرأت اعلانا قبل اسبوعين عن تأسيس شركة للكهرباء في المملكة العربية السعودية وهي خطوة متميزة كان من الجدير بالكويت السبق الى تنفيذها بعد تكرر ازمة انقطاع الكهرباء، في ضوء نجاح القطاع الخاص في تنفيذ عدد كبير من مشاريع البنية الاساسية في الكويت، وقد ازال صدور القانون المعوق التقليدي في هذا الصدد، ما يحمل اجهزة الدولة المسؤولية المباشرة عن اي تأخير في الافادة منه.
كلمة أخيرة:
لا نتوقع من مجلس الامة ان يحسم التناقض بين العضوية في البرلمان ومجالس ادارات الشركات، ما يضطرنا الى دعوة القوى المدنية والرأي العام للمطالبة بوضع حد لهذا التنافرالذي يقدح في سائر معايير الشفافية.