فيصل الزامل
قال «يتصالح اللبنانيون كل مرة بعد تضحيات أليمة، ثم يعودون وكأن شيئا لم يكن، كأن الخراب ما كان خرابا، وينتخبون من كان سببا فيه، يحدث هذا كل عقد أو عقدين من الزمن، ينزل البرلمان الى الشارع ويطلق قذائف الكلام ويستمر التراشق اللفظي ثم يتحول الى شيء آخر» ويستمر سمير عطا الله في رصد هذه الظاهرة اللبنانية - المصغرة كويتيا - فيقول «بعد انتخاب الرئيس سليمان ازدحمت 40 اذاعة محلية و10 محطات تلفزيونية بالتصريحات حول الحقائب الوزارية التي تطلبها كل كتلة» الى أن يقول «العزاء الوحيد هو أن البرلمان قد انتخب رئيسا متواضعا، جاء من نفسية متصالحة مع النفس قبل الغير، لا يتحرك بغرور القوة رغم كونه عسكريا، كانت لهجته هادئة كما هي نفسه الهادئة، لقد كان أبرز ناخبيه هي نظافة يده، ما جعله أمل الناس للخروج من هذا المسلسل القميء» انتهى.
اليوم يجتمع البرلمان في الكويت ليستمع الى النطق السامي من صاحب السمو الأمير الذي يبدو أنه لن يكون تقليديا، وبعده سيختار رئيسا ونائبا للرئيس ومقررا للمجلس، منصب الرئيس ليست له أهمية في دول كثيرة كما هو الحال عندنا، ففي بريطانيا لا يتجاوز دوره ادارة الجلسات، وفي الكويت نقل السيد جاسم الخرافي الصلاحيات المالية والادارية من الرئاسة الى نائب الرئيس تأكيدا على حيادية الرئيس حتى في تعامله مع الجهاز الاداري في المجلس، هذا النهج هو المعروض اليوم على الاخوة النواب، واذا شاءوا تغييره فعليهم أن يفعلوا ذلك بوعي كامل وادراك للعواقب وألا يتنصل أحد من نتائج ذلك الاختيار، صحيح أن هناك شعورا عاما بأن غالبية النواب تريد رئيسا توفيقيا - وليس توافقيا - يستوعب رسالة صاحب السمو الأمير ولا يرضى بتقليد النموذج اللبناني (حزب الله - رئيس برلمان مدى الحياة - صحافة تناحر..الخ) والأهم من ذلك كله أن يلاحظ بعض النواب أن البعض يفكر في هدم المعبد على طريقة «علي وعلى أعدائي» وان قلة من النواب تشجعه على دفع البلاد نحو خسارة الديموقراطية بحل غير دستوري صار شبه مقبول لدى الرأي العام الكويتي، وكان متوقعا بدرجة كبيرة قبيل صدور قرار الحل الأخير.
لقد صار حديث الكويتيين عن درجة تخلف بلادهم يشبه المناحة، بل بكى أحدهم فعلا في مقابلة تلفزيونية على حال الكويت في سباق التنمية الخليجي، وطلب من المذيع انهاء المقابلة بسبب استمراره في البكاء، وهذا ليس حاله وحده، بالطبع تتحمل الحكومة المسؤلية الكبرى عن هذا الحال في تشجيعها للنواب على تمرير الخدمات بصور مخالفة والأولوية عندها لمن يدوس عليها أكثر، كما صرح النائب السابق سعدون حماد، وهو أمر تثبته التجارب، فالحكومة ترى تعيينات فئوية صارخة وقرارات تصب في صالح برنامج مرشح يستغل كل يوم عمل في الاعداد لحملته الانتخابية التي تنتهي بالخسارة في معظم الأحوال فيفشل الوزير النائب انتخابيا، ويقرر مجلس الوزراء متأخرا الغاء القرارات التنفيعية..الخ. مسلسل كريه مله الناس، وصار سببا لقبولهم بالحل غير الدستوري.
لقد لجأت الحكومة الى هذا المنحى التعيس ظنا أنها تتجنب التأزيم، ولم تستوعب درس «خطف الجابرية» الذي حسم خطف الطائرات الكويتية الى الأبد بسبب موقف الأمير الراحل الشيخ جابر برفض الاستجابة للضغوط، ولولا ذلك لاستمر ذلك المسلسل التعس الى اليوم .
كلمة أخيرة:
استمعت الى صديق وهو ينتقد النائب جاسم الخرافي يوم الانتخابات ليلا، ثم يقول «ومع ذلك، لعلمك انا انتخبته»، انها صورة موجودة، موقف في مواجهة الضمير وموقف آخر في مواجهة الناس، الأول توفيقي مع النفس، والثاني توافقي مع الغير!