فيصل الزامل
في الشهر الماضي اجتاحت قوات غازية السودان لمسافة 2000 كيلومتر وكادت تسيطر على مدينة أم درمان بصورة تقرب من الفضيحة العسكرية في بلاد تحملت حكم العسكر بحجة أنهم قادرون على حفظ الأمن ومنع تقسيم السودان، وهاهو التقسيم قد أصبح حقيقة واقعة والأمن انتُهك بوصول المتمردين الى ثاني أكبر مدينة بغير أي مقاومة وكأنهم يسيرون في نزهة.
لقد تعرضت الكويت - على سبيل المثال - لانتقادات كثيرة بسبب عجزها عن صد الاحتلال العراقي المدعم بكل القطاعات العسكرية «مدفعية - طيران - دبابات - مشاة - سلاح هندسة» بينما في حالة السودان كانت القوات الغازية تستعمل سيارات نقل قديمة وبسيطة مع أسلحة خفيفة لم ينفع في كشفها طول العمق الاستراتيجي في بلاد منبسطة جغرافيا بينما لم يتجاوز العمق في حالة الكويت 100 كلم فقط، فاذا أضفت عنصر المباغتة في الحالة الكويتية، والأصح هو الغدر في ضوء وعد بغداد للقاهرة بعدم شن حرب، يقابله تهديد تشاد للسودان قبل ثلاثة أشهر بالرد على عملية تمت على أراضيها واتهمت بها السودان، فكيف حدثت المفاجأة؟ وهل يكفي الرد السخيف «احنا كنا عارفين ومتابعين تحركهم» وهذا يعني ببساطة السماح للعدو بتعريض أمن الدولة للخطر والتفريط في المسؤوليات الأمنية الرئيسية للقوات المسلحة.
لقد عجزت الحكومات السودانية المتعاقبة عن توفير الأمن في دارفور بحجة المسافات البعيدة، واذا بمتمردي حركة العدل والمساواة يقطعون المسافة من دارفور الى أم درمان بسهولة ما أدى الى اسقاط تلك المقولة رغم ان قدرات الحكومة أكبر من قدرات متمردين بعضهم في أعمار صغيرة بلا خبرة أو تجهيز كاف، ولا يكفي للتقليل من شأنهم أن يقال «هذه فرقعة إعلامية» فقد أعلن حظر التجول في الخرطوم المحاذية ما يؤكد أنها فرقعة حقيقية هددت الدولة في عقر دارها.
إننا نثير هذه التساؤلات حرصا على أمن واستقرار السودان الذي فقد مليونين في حربه مع الجنوب التي استمرت سنوات طويلة، ونتمنى أن تتم الاستفادة من دروس تلك الحرب التي امتلأت بلغة التحدي ورفع العصا بين صفوف المقاتلين، ثم انتهت بتوقيع اتفاقات السلام، وهو ما يمكن تحقيقه في دارفور بغير الحاجة لرفع العصا ودفع المزيد من التضحيات بالأرواح والممتلكات، وزعزعة استقرار بلد بدأ في استقبال الاستثمارات الخليجية التي لن تتمكن من متابعة ما بدأت به اذا انتقلت الحكومة من حرب في الجنوب الى حرب في الغرب تليها حرب في الشمال (حلايب).
اختصروا الطريق وتعاملوا مع جميع أفراد شعبكم كمواطنين من الدرجة الأولى بلا تمييز من أي نوع، فالسودان بلد غني بالموارد الطبيعية ويحتاج الى الاستثمارات والاستقرار كي يتفوق على بلاد كثيرة في سباق التنمية.
كلمة أخيرة:
في دول عربية صار مألوفا «سعادة اللواء فلان، مدير التعليم في الغربية» و«سعادة اللواء فلان رئيس جهاز الحسابات المركزية»، في الكويت لدينا بدلا من «اللواء» نائب يقفز من رئيس قسم الى وزير في نفس الوزارة خلال شهرين فقط، ولهذا تراجعت التنمية عندنا وعندهم، يقابل ذلك أعضاء مجالس الشورى - في دول خليجية - بأرقى التخصصات، واذا ناقشوا الوزير في خططه أحرجوه فنيا لمعرفتهم بالتفاصيل التي يكره الاستماع اليها «ربعنا» ومع ذلك يتخذون فيها أخطر القرارات!