فيصل الزامل
دار الحديث ذات مرة حول كثرة الخناقات في المجالس البلدية، واتفق الحضور على أن عضو المجلس المنتخب يواجه ضغوطا من بعض ناخبيه لتحقيق مصالح لهم، وبالتالي فإن تكرار الخناقات لا يعني أن هناك خلافات شخصية بين زيد وعبيد، فإذا تغيرت الاسماء فستنتهي الخناقات، المسألة مستمرة لسبب جوهري وليس عرضيا، ومثل ذلك يقال عن عضوية مجلس الامة التي فشلنا في فصلها عن المصالح، رغم أنها أولى بهذا الفصل من المجلس البلدي كونه متخصصا في قضايا مصلحية في حين يقتصر عمل المؤسسة النيابية على التشريع والرقابة، ولكن الممارسة جعلته يغتصب الوظيفة التنفيذية عبر توظيف آلية اصدار قوانين لا حصر لها، والغرض الرئيسي من أكثرها هو ادارة العمل بشكل مباشر، وبالذات حينما تم فتح باب «التوصيات» التي ظاهرها عدم الالزام وباطنها غير ذلك، حيث تم تسخير الحق الدستوري في الاستجواب للالزام بالتنفيذ، واذا رجعنا الى السبب المباشر في فشل المجلس التشريعي عام 1938 فسنجد أن المجلس قد جمع بين الوظيفتين التشريعية والتنفيذية فأصدر قرارات متلاحقة ولم تمر ستة أشهر الا وكان في وسط صراع المصالح بين قوى الضغط، ولم ينجح في الحفاظ على الحيادية كجهة رقابية.
ان الحكومات المتعاقبة تتحمل مسؤولية كبرى في منع تمرير المعاملات عبر النواب، وهي التي قامت بتشجيعهم على توظيف الموقع النيابي للتعيينات الجائرة ظنا منها أن ذلك سيحقق لها دعمهم، وكانت النتيجة معاكسة تماما، وانتقل الجميع تقريبا الى الجانب الآخر، وما لم تحزم السلطة موقفها بكل قوة تجاه الاسترضاء الفاشل فإنها ستستمر في حفر القبور لاعضائها سواء الدائمون منهم أو المتغيرون، فإن أحدا لم يسلم من تلك المقصلة التي قامت السلطة بصناعتها وكانت هي أولى ضحاياها، وها نحن نسمع بعض رموزها يستغرب رفض كثيرين المشاركة في العمل الوزاري رغم امكاناتهم وقدراتهم المتميزة ويطالب بفرض تلك المشاركة عليهم واعتبار ذلك مشابها للخدمة العسكرية الالزامية، دون أن يغوص في الاسباب التي أفضت الى هذا العزوف، وأن يتوجه الى العلاج المباشر الذي تملك السلطة تحقيقه بعد أن تأكد لها عدم جدوى الاسترضاء والشراء، رغم التضحية بكل شيء بما في ذلك هيبة الدولة، والنتيجة هي «صفر» كبير جدا جدا!
لقد كرست دول مجاورة مفهوم الدولة ليس عبر النصوص فقط ولكن بالممارسة، وبمناسبة النصوص فإن من أبرز مطالب الاتجاه الاسلامي تعديل نص المادة الثانية من الدستور ليكون الاسلام هو مصدر التشريع بدلا من المصدر الرئيسي للتشريع، ولو كان تغيير النص يحقق ذلك التغيير بجرة قلم لدعمناه ولكن التجارب أثبتت غير ذلك، فقد قام الرئيس أنور السادات بتغيير نص مشابه في الدستور المصري ليصبح «الاسلام هو مصدر التشريع» حدث ذلك قبل أكثر من ربع قرن فما هي النتيجة؟ إن مفهوم الدولة يغرس بالممارسة، وعندما شعر مسؤول كبير في دولة مجاورة ان هناك من يتدخل في عمل مركز أمني لاطلاق سراح مجرم من أقاربه التقاه أمام حشد كبير من جماعته وأسمعه أمامهم كلاما صريحا واضحا «لا يوجد في هذا البلد سلطان لأحد على القانون والدولة، تسمع؟».
كلمة أخيرة:
المعايير المتغيرة كارثة، في السابق «لاتجوز مناقشة قضايا نيابية خارج البرلمان» قبل اسبوعين صارت جائزة، اليوم نسمع تجريم مخاطبة القيادة السياسية ومحاولة حصر هذا الحق في جهات محددة، رغم نص المادة 45 من الدستور «لكل فرد ان يخاطب السلطات العامة كتابة وبتوقيعه، ولا تكون مخاطبة السلطات باسم الجماعات الا للهيئات النظامية والأشخاص المعنوية».