فيصل الزامل
تحدث السفير الكيني في الكويت عن طفلة عمرها سنة واحدة تشرف على الموت جوعا، وعرض السفير صورتها وهي شبه هيكل عظمي، ثم عرض صورة اخرى لها وهي فتاة ممشوقة القوام موفورة العافية، وقد التقطت لها هذه الصورة بمناسبة زواجها، يقول السفير «انظروا من يحمل الطفلة، انه د.عبدالرحمن السميط الذي اشرف على تغذيتها بطريقة خاصة حتى اجتازت مرحلة الخطر، وتولت حضانة دار الايتام تربيتها، ثم حصلت على التعليم والعيش الكريم حتى وصلت الى سن الزواج»، يسكت السفير قليلا ثم يتابع «انا شخصيا احد الذين عاشوا وتعلموا في دار الايتام التابعة لجمعية العون المباشر - لجنة مسلمي افريقيا، ومثلي المئات في بلدي بل الالوف في عموم افريقيا ممن اصبحوا اليوم اطباء ومهندسين ومعلمين وغيرهم، تابعوا دراساتهم في انحاء العالم، وفيهم اليوم وزراء وسفراء وقادة في دولهم، كيف يمكن لنا ان ننسى من قدم لنا هذه الفرصة للحصول على حياة كريمة وتعليم متقدم؟».
ليس موضوعي اليوم هو العمل الخيري، ولكن اتجاه عدد من الكويتيين الى مجالات انتاجية بعيدا عن الصخب والدوران في نفس المكان، والذي فعله د.عبدالرحمن السميط منذ قرابة ثلاثين عاما هو اقتناعه بأنه لا يملك عمرين، وان عمره سينتهي بسرعة وبغير فائدة اذا اكتفى بمتابعة الجدل والمتجادلين، ولن يفعل شيئا يحقق له الرضا عن النفس في الدنيا والآخرة، هناك من اتجه الى المجال الاقتصادي فأنشأ المصارف التي اتاحت آلاف الوظائف وحققت شيئا على الارض، وهناك من خاض غمار العمل الطبي لاقتناعه بأنه (ومن احياها فكأنما احيا الناس جميعا) فلا يمر عليه يوم او يومان الا ويكون سببا في شفاء مريض اسودت الدنيا في وجهه وظن ان ايامه باتت معدودة، فإذا بالطبيب الماهر يكون سببا لشفاء الله له، مثل ذلك يقال عن رجل في القطاع الأمني، سمع من بعض زملائه ان الفساد قد استشرى وانه سيضطر للانخراط في زمرة حفلات حمراء عن قريب، فعزم على اثبات بطلان هذا الوهم، وتعاون مع عشرات من الشرفاء ممن معه في مهنته فكشفوا اللثام عن جرائم غامضة واستطاعوا ان يبسطوا يد الدولة على مناطق وأحياء سكنية كادت تختطف من قبل عصابات دعارة وسموم.
مناسبة هذا الكلام هي مشاعر الاستسلام التي تتسلل الى نفوس البعض منا لما يراه من مراوحة وجدل لا ينتهي في اروقة الدولة، وتحليلات مملة تصاحبها مقارنة قاتلة مع دول اخرى تقدمت علينا، ما يوصل الكثيرين للاستسلام لليأس، ان ذلك يستدعي تذكير هؤلاء بأنك لن تسأل عما لا تستطيع عمله، وانك اذا اتقنت اداء ما تجيد عمله فقد وفت ذمتك، وحققت ذاتك، و(لا يكلف الله نفسا الا وسعها) وليس هناك بلد كالكويت فيه تنوع واسع لفرص العطاء من مختلف المواقع سواء المهنية او التطوعية، المهم هو اخلاص النية والتجرد من الاهواء، فإنه «ما كان لله دام واتصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل».
كلمة أخيرة:
في ايام الاحتلال كانت لنا ديوانية يقصدها جمع من اهل المنطقة، واذا سمع الجيران ان طارق الصقعبي سيزورها تضاعف عدد الحضور بسبب روحه المتفائلة ومعلوماته الدقيقة عن مجريات الاحداث الدولية والتي ينتهي منها الى استنتاجات ترفع الروح المعنوية وتعزز الصمود، كانت لتلك الايام ذكرى وكان لها رجال لن ينساهم الوطن.