فيصل الزامل
استمع محافظ بنك انجلترا المركزي الى قارئ القرآن الكريم اثناء افتتاح ندوة عن البنوك الإسلامية في لندن، وكان يضع السماعة ويتابع عبر الترجمة الآيات التي تتحدث عن تسجيل الديون، وضرورة كتابتها واثباتها بشاهدين مع الحث على الاهتمام بهذا الأمر مهما كان الدين صغيرا (ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا الى أجله) مع حث الشهود على الاستجابة اذا دعوا اليها، فلما جاء دور المحافظ لالقاء كلمته قال: «قبل أن أبدأ أحب أن أشير الى أنني تابعت دقة تسجيل المعاملات المالية عبر آيات القرآن الكريم التي سمعتها، ولا أعتقد أنه ستكون لديكم مشكلة مع البنك المركزي والجهات الرقابية اذا كانت هذه هي الأسس التي تنطلقون منها وتبنون عليها أعمالكم» انتهى.
لا شك أن الحضارات تتبادل التجارب عبر عقود طويلة من الزمن، واذا كنا متخلفين في ميادين كثيرة فلا نستكثر على أنفسنا أننا حققنا شيئا حاز اعجاب العالم في فترات من العصور الغابرة، مثلما ينظر العالم بإعجاب الى النظام الديمقراطي بالمفهوم اللاتيني الذي ولد في أثينا وانتقل الى روما القديمة ثم العالم المعاصر، هذا الاعجاب لا يلتفت الى جوانب القصور في هذا النظام الذي جاء ردة فعل لنظام الاستبداد، فلم يزد على استبدال استبداد القصر باستبداد الشارع، ولو نظرنا الى ثورة الفرنسيين والانجليز على النظام الملكي في القرن السابع عشر، لرأينا أن الانجليز وجدوا أن استبدال استبداد بآخر هو نوع من العبث، فأعادوا الملكية ولكن بثوب جديد لا يسمح باستبداد القصر ويمنح العموم من الناس الحق في ادارة شؤون حياتهم بغير طغيان، لهذا استطاعوا في بريطانيا أن يكبحوا جماح النقابات ولم تنجح فرنسا في تحقيق شيء مماثل ما منحها صفة «بلاد الاضرابات العمالية» بلا منازع، وعلى مدار العام.
لقد عاشت بيزنطة مأساة في تاريخها تسببت في تغلب الأعداء عليها والسبب هو جدل أهل بيزنطة الذي صار مضربا للمثل، بل حتى روما كانت دسائس السياسيين فيها تملأ الفضاء ولكنها لم تمنع طغيان القياصرة وأشهرهم «نيرون» الذي أحرق روما انتقاما من تلك الدسائس، واليوم نحن لسنا مسلوبي الارادة ولن نترك وطننا يتحول الى بيزنطة ويلقى مصير روما، وفي الوقت الذي نقول فيه بارتباطنا بالدستور الذي يمثل عقدا اجتماعيا بيننا جميعا، فإننا أيضا نمتلك الارادة لمتابعة مسيرة التطور التي رأينا جانبا منها في تغيير أسلوب ادارة الحملات الانتخابية الماضية فيما يتعلق بالمقرات والحملات الاعلانية..الخ، ويجب أن نواصل مسيرة التطوير بغير مساس بالثوابت التي اشتمل عليها ذلك العقد الجميل الذي يريد البعض تحويله الى قيد ثقيل تعسفا منه وتوظيفا لهذه الأداة الهامة لغرض قصير وغاية ضيقة.
نعم، لقد تجرأ الغرب وعرف أكثر من صورة للممارسة الديموقراطية وذلك بسبب وجود عقول متفتحة وشجاعة، ولم تخل بلادنا بعد من الشجعان الذين يجيدون ايصال هذه الأمانة الى الأجيال التالية سليمة من الاستغلال والعبثية التي أوصلت كثيرا من الناس الى ما يشبه اليأس الذي لن نسمح به أبدا، بإذن الله.
كلمة أخيرة:
مقالات د.محمد المقاطع ومشاركاته الثرية عبر الإذاعة في تنوير الرأي العام بالثقافة الدستورية هي مجهود يشكر عليه، والمرجو من اصحاب التجارب العملية المشاركة في عملية التنوير، حتى ينقشع الظلام.