فيصل الزامل
المصالحة الوطنية التي تناولها بالأمس كابتن سامي النصف يجب ألا تمر كمقالة عابرة، فقد استفحل الخلاف دون مبرر - كما ذكر - بين أفراد الأسرة الواحدة، وأحيانا تكون الأسباب يسيرة العلاج لو تم التحرك في وقت مبكر قبل أن ينفخ في مستصغر الشرر النافخون، ولكن لأن أدوات تطويق الخلاف بدائية وبطيئة لذا تنتشر النيران بسرعة بين مختلف الشرائح الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في بلد صغير يفخر أهله منذ القدم بقوة الوشائج بينهم فما الذي جرى؟
عندنا محاضرون في الأمور السلوكية نسمع أحاديثهم عبر الإذاعة والتلفزيون نتمنى أن يتناولوا هذه الظاهرة، وأن ينشط الخيرون حالما ينشب خلاف، فهو باب أجر وثواب عظيم، وقبل هؤلاء وأولئك علينا أن نتخلى عن التخندق وعادة الصمت والبحلقة من بعيد، فهي علامة عجز والأفضل منها ورقة صغيرة تضعها في يد من في نفسك عليه شيء أو تظن أنه متحامل عليك، تقول فيها «إذا يناسبك أن نتحدث في أي مكان تقترحه، فإن عندي ما يجب أن تسمعه» هذه الوريقة البسيطة قد تغير واقع الكثيرين ويكون اليوم التالي لنجاحهم في تجاوز احتقان طال أمده - قد يكون له مبرر وقد لا يكون - يوما غير عادي، مليئا بالبهجة والانشراح، خاصة اذا كان الآخر شخصا يهمك أمره، سواء لقرابة أو لنبل أخلاقه ولا يهون عليك الاكتفاء بعدم الاكتراث بخلافك معه.
نعم، المصالحة الوطنية التي قادها صاحب السمو الأمير بين أفراد من أسرة العوضي الكريمة، يجب أن تتكرر وأن تتحول الى سلوك عام، المسألة لا تحتاج الى بروتوكول ولا رسميات كبيرة، وريقة صغيرة في لحظة مباركة مع نية صادقة تفعل الكثير، واذا عجز نصف المجتمع عن القيام بهذه المبادرة فيكفينا نجاح النصف الآخر.
هناك من يستخدم العناوين الضخمة «خلافنا عقائدي» واذا بحثت في التفاصيل فستجد أن العنوان أضخم من الواقع، وهناك من سيتوقف أمام المسائل المالية، ولو تحلى الطرفان بنظرة بعيدة لعرفا أن البركة بعد الصلح ستعوض ما يضحّي به كل منهما وتزيد، وبالعكس في حال المعاسرة، التي تمحق المال طال الزمان أو قصر.
طلب عمر ( رضي الله عنه ) من رجلين أن يذهبا للإصلاح بين زوجين متخاصمين، ورجعا وقد أعلنا عن فشلهما، فرفع عمر درته وضربهما بها قائلا: «انكما لم تصدقا النية» وقرأ قوله تعالى (إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما) وهو أهم ركيزة في تهيئة أجواء المصالحة بين الناس، ومثل ذلك يقال عن مشاعر الحسد التي تتسلل الى نفوس الناس ليس ضد الاباعد عنهم بل قد يحسد الرجل ابنه وأقرب الناس اليه بغير انتباه منه، ولو أنه قرأ في صباح نهاره «اللهم ما أصبح بي من نعمة، أو بأحد من خلقك فمنك وحدك» بينما لا يقول المريض بداء الحسد «اذا مت ظمآنا فلا نزل القطر !» وقد يحسد الناس الرجل كثير العطاء سخي اليد والنفس لا يمر عليه يوم إلا وهو يساعد محتاجا، فإذا بالحاسد يردد في مجالسه «انما يفعل ذلك حتى ينتشر ذكره بين الناس !».
الحقيقة أن هذه المشاعر السيئة تزداد في حال الرخاء ولم تكن بهذه الكثرة قبل زمن النفط، سمعت مثل هذه الشكوى في دول خليجية أخرى، الأمر الذي يستلزم استنفار جهود الخيرين والمختصين، فهذا الوباء لا تعالجه المستشفيات قدر ما تؤثر فيه الجهود المخلصة، وأخص بالشكر الزميل سامي النصف لافتتاحه هذه المسيرة، برجاء ألا تتوقف عند مقالة أو مقالتين.
كلمة أخيرة:
برر أبو جهل موقفه من النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قائلا: «كنا وبني هاشم كفرسي رهان، أطعموا فأطعمنا، سقوا فسقينا، كسوا فكسونا، ثم قالوا منا نبي، فمن أين نأتي بنبي؟» انها لحظة صدق واجه فيها رجل نفسه، وشهد عليها، ولو أنه انتقل الى المرحلة التالية لنجا، وأصابه دعاء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) «اللهم أعز الإسلام بأحب العمرين إليك، عمرو بن هشام - أبو جهل - أو عمر بن الخطاب» تخيل لو أن أبا جهل تابع المصارحة مع نفسه، واستجاب لنداء الضمير، أي شيء يكون؟ بدلا مما هو فيه الآن.