فيصل الزامل
في مستشفى حكومي كان طبيب من جنسية عربية يتحدث مع مساعده في العيادة الى ان جاء دور احد المرضى من كبار السن، دخل المريض ومعه اثنان من ابنائه، شاهد الطبيب ومساعده درجة اهتمام الولدين بالاب، كانا يلاطفانه بالكلام حتى انتقل الى سرير الكشف، وشرحا للطبيب حالته ومعهما ادويته، اظهرت معرفتهما بتفاصيل حالته انهما قريبا الصلة بحياة الاب بشكل كبير جدا، التفت الطبيب غاضبا نحو مساعده وهو يقول له: «الله يحرق هالمسلسلات اللي بتتكلم عنها، شوف هذول هم الكويتيين مش اللي بتشوفهم بالتلفزيون وبتقول لي قبل شوي الكويتيين حياتهم كلها تفكك اسري وفساد» انتهى.
لقد كانا يتحدثان قبل دخول المريض وابنيه عن الاسرة الكويتية ويستشهد مساعد الطبيب بما يراه في المسلسلات الكويتية ليؤكد فسادها وتفككها، حيث لا تعرض تلك المسلسلات الا الجانب السيئ من المجتمع، والذي لا يخلو منه بلد، ولكن ماذا عن الجانب الآخر، وربما الاكثر؟ واذا تساءلت عن المؤشر والدليل على انه «الاكثر» فإن تخليص هذا البلد من الاحتلال العراقي في وقت قياسي يذكرنا بالحديث النبوي الشريف، عندما سئل النبي ( صلى الله عليه وسلم ): «أنهلك وفينا الصالحون يا رسول الله؟» قال «نعم، اذا كثر الخبث» وقد نجت الكويت بفضل الله، ثم لأن الخير فيها اكثر من الشر، بحمد الله.
المسلسلات الكويتية تشوه صورتنا مثلما فعلت بعض الافلام المصرية التي لم تبرز اخلاق الشعب المصري الحقيقية وركزت على الرقص الشرقي ومواعيد الغرام ونشرت عادة التدخين على اوسع نطاق بربط صورة الممثل في كل فيلم بتعاطي التدخين، كانوا يتتبعون السقطات الشاذة ويحولونها الى عمل اعلامي، وقد زرت قرى مصر الريفية ورأيت شعبا آخر، وايضا عشت في الاسكندرية قرابة عام من الزمن وتعرفت فيها على اخلاق مصرية فاضلة لا تجد طريقها الى الشاشة، وبالطبع يؤدي التركيز على الجانب السيئ الى ألفة الجيل الجديد له واعتيادهم عليه بل تقليدهم لما يرونه باعتبار ان هذا هو الاصل في المجتمع، وبالفعل يتحول الاستثناء الى اصل، ولكن بفعل فاعل.
اتابع في وسائط اعلامية خليجية شيئا آخر، من تمثيليات تحكي قصة شاب رجع من العمل في اول ايام التحاقه بالوظيفة، يدور حديث مع والده الذي يذكره بالمساهمة في مصاريف البيت، يحدث الشاب نفسه «الله يهدي ابوي، اول ما صار عندي معاش يطلب مني اصرف على البيت» تدخل اخته، تسلم عليه، تقول له «صالح اخوي، انا اشتغل من اربع سنين وما قلت لك الا الحين، ترى انا احط نصف معاشي في يد ابوي رأس كل شهر عن طيب خاطر مني، انت تعرف حالته، وانا ما قلت لك قبل اليوم لا تفهمني غلط، وانت بكيفك» ثم يحادث الشاب نفسه: «افا عليك يا صالح، ترى اختك تصرف على البيت وتصرف عليك من اربع سنين وانت الحين مستكثر تساعد اهلك؟!».
هذا الحوار التمثيلي موجه نحو المجتمع لاستنهاض همم شباب دخل حديثا الى معترك الحياة ويحتاج الى من يذكره وينبهه، وهو ما لا تحققه مسلسلات تركز على نشر الجانب السلبي في المجتمع.
ان زرع قيم المواطنة في نفوس الشباب عبر المسلسلات ايسر من الخطب الرنانة حول الوحدة الوطنية، واعادة الاعتبار للعمل كوسيلة لتحقيق الذات من خلال حوار تمثيلي يغوص في عميق وجدان الشاب، افضل بكثير من كلمة رنانة تلقى في مؤتمر يعقد في فندق خمس نجوم.
كلمة أخيرة:
اعرف ممثلين كثيرين وفنانين في الكويت يتعاملون مع الفن كرسالة، ويحرصون على غرس القيم التي اشرنا اليها، يبقى دور النص وواضع الحوار، فهل يستجيب المؤلفون والمخرجون لهذه الحاجة الوطنية المهمة؟