فيصل الزامل
في احدى الدول النامية التي يشكو المسؤولون فيها والمواطنون من انتشار الرشوة والفساد، قرر البرلمان هناك مواجهة الفساد من خلال زيادة الفساد، حيث أعلن بعد انتهاء الانتخابات مباشرة عن تحمل الدولة مصاريف المفاتيح الانتخابية لكل نائب، ليس بصرف مكافأة لكل منهم ولكن بتخصيص مرتب شهري بواقع 5 آلاف دولار نظير جهودهم الكبيرة خلال الانتخابات التي استغرقت فترة شهرين.
لا تفسير لقرار مجلس الأمة السماح لكل نائب باختيار 15 من مفاتيحه الانتخابية سوى ان القسم بالمحافظة على أموال الدولة قد سقط تحت الأقدام، ولأن المجلس معصوم من المساءلة فإن له الحق في أن يقرر لنفسه ما يشاء، ولا عزاء للمواطنين هنا الا في الخطوة الكبيرة التي بدأها د.محمد المقاطع باتخاذه اجراءات قانونية لإيقاف هذه العبثية المطلقة بسبب تصادم ذلك مع الدستور في المادة 17 ولوجود شبهة تنفيع النفس بشكل صريح، وذلك لمبلغ مباشر 9 ملايين دينار سنويا وعند اضافة المزايا يرتفع الرقم الى 15 مليون دينار سنويا، وقد بدأ نواب البلدي بمطالبة مماثلة تحت ضغط مفاتيحهم الذين أوصلوهم الى كرسي «المسؤولية»!
ان جريمة المال السياسي قد ثبتت بالدليل القطعي، واذا كنا في السابق نبحث عن قرينة فقد سهل علينا أعضاء مكتب المجلس ومن يوافق على قرارهم من النواب المهمة لإثبات استخدام المال العام في العمل السياسي، فلا يتصور انسان سوي أن لدى النائب من الأعمال ما يتجاوز حاجته الى سكرتير واحد، بغير التفات الى الأعمال المصطنعة، ما يجعل شبهة التنفيع أوضح من الشمس في رائعة النهار، واذا كان بقية النواب عاجزين عن مواجهة زملائهم فإن في الكويت رجالا لا تأخذهم في الله لومة لائم، ونتمنى أن يكون بقية النواب في مقدمة هذه النوعية كي يتصدوا لهذا العبث.
لقد انفتح الباب لهذه الممارسات للمرة الاولى في انتخابات 1996 حينما طالب بعض النواب بتخصيص 5 من مفاتيحهم الانتخابية بوظيفة سكرتير، وتلقوا وعدا انتخابيا ترتب عليه اتخاذهم موقفهم في تلك الانتخابات، واليوم يتم تكرار تلك الفعلة بشكل مضاعف 3 مرات، وقديما قيل «اذا لم تستح فاصنع ما شئت».
كل الشكر للزميل د.محمد المقاطع للخطوات التي بدأ بها للطعن في هذا القرار، فهو بذلك يؤكد حيوية هذا الشعب، وعدم خضوعه للمجاملات، ويضع الآخرين أمام مسؤولياتهم سواء كنواب أم كأصحاب مبادئ واتجاهات اصلاحية، ونحتاج اليوم الى أن نرى المسافة بين ما تطرحه وما تفعله! فقد رأينا انتفاضة من قبل البعض تجاه من ينادي بإصلاح الخلل في الممارسة النيابية، ويدعو لاستصدار قانون لتكميم أفواه المواطنين في هذا الشأن، وفي الوقت نفسه يسكت عن ممارسة مخجلة في استخدام المال السياسي تحت غطاء مبدأ فاسد يقول «المجلس سيد قراراته، ولا يُسأل عما يفعل»، فما هو موقف الإصلاحيين من هذا الفساد في الأرض؟
كلمة أخيرة:
رفض رئيس المجلس جاسم الخرافي مبدأ تكميم الأفواه، ودعا المعترضين على آراء الناس في الأداء النيابي الى «الرد بالعمل والمثابرة لإزالة سبب الشكوى بدلا من تكميم أفواه الناس»، شكرا بوعبدالمحسن.