فيصل الزامل
تحدث بعض المرشحين في الانتخابات السابقة عن سلاح الاشاعة ومهارة البعض في استخدامه ضدهم نظرا لصعوبة ملاحقتها، فالتصحيح يتطلب جهودا ضخمة ووقتا لا تسمح به فترة الانتخابات القصيرة، خاصة في مجتمعنا الذي يكتفي فيه من سمع الاشاعة بالصمت ولا يبذل جهدا للتثبت، بسبب مهارة مطلق الاشاعة وتلبيسه لعباراته ما يوحي بصحة المعلومة، يقول احد المرشحين «قالوا عني ان لدي مشاكل مالية، قلت لمن اخبرني: اشكرك لانك اخبرتني ولكن دعني اسألك: اذا لم تكن لدي اي مشاريع تجارية ولا اتداول في بورصة او في عقار، وليست علي ديون، وراتبي يكفيني ويزيد ولله الحمد، فمن اين تأتي المشاكل المالية؟ كل الذي املكه هو خبراتي المهنية ومؤهلي العلمي، الخلاصة ان محدثي اقتنع ولكنه شخص واحد، في حين سمع الاشاعة عشرات لم تتح لي الفرصة للتوضيح لهم، النتيجة ان منافسي الذي لا يحمل اي مؤهل علمي، سوى الخبرة في اطلاق الاشاعات، تفوق في الاصوات، ولك ان تتخيل كيف سيفيد الدولة في موقع المسؤولية، فهو بغير خبرة او دراية، واذا كان «كل اناء بما فيه ينضح» فماذا سيقدم صاحب الاناء الفارغ؟».
متحدث آخر شارك في النقاش قائلا: سلاح الاشاعة لا يقتصر على فترة الانتخابات، اذكر ان شخصين ترتب عندهما ظن سيئ في زميل لهما، وبقدرة قادر سمعا من طرف خارجي ما ينفي ذلك الظن، لم يكتما ما حاك في الصدر فأخبرا صاحبهما وطلبا منه المسامحة، فقال «الحمد لله الذي كشف المعلومة الناقصة لكما بغير حول مني ولا قوة، لانكما لم تسألاني ولا علم لي بما حاك في الصدر».
الحقيقة هذه مشكلة كبيرة، فالوشاية التي نسميها بالاشاعة من اسباب هدم البيوت وايغار صدور اناس مخلصين يكونون محبين لبعضهم، فإذا بالوشاية تحولهم الى اعداء صامتين لا يعرفون كيف يتبادلون العتب ولا يجيدون فن المصارحة، ينظر كل منهم الى الآخر من طرف عينه وفي نفسه ظنون يزيدها مرور الايام رسوخا فتتحول الى حقيقة راسخة وهي مثل جبل الثلج الطافي بلا اساس يرتكز عليه مهما كانت ضخامته.
البعض يتسبب في حياكة غيره الاشاعة عنه حينما يكون في موضع يحتاج الى ايضاح ولكنه يلوذ بالصمت، قد يكون موقفه سليما بل وكريما وهو لا يريد ان يتحدث عن اعماله الكريمة خشية الرياء، ولكن الناس لا ترحم، وقد جاء في الحديث الشريف «رحم الله امرءا جبّ الغيبة عن نفسه» بل حتى الكلام عن الاعمال الطيبة التي يقوم بها المرء ليس من الضرورة أن يكون سببا للرياء، فالنوايا يعلم بها الله، وفي القرآن الكريم (ان تبدوا الصدقات فنعما هي وان تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم) اي لا بأس من ابدائها، بل امتدح القرآن ابداءها وان كان الاخفاء افضل، واذا ترتب على الصمت سوء ظن الآخرين فإن الابداء افضل، وقد قال عمر ( رضي الله عنه ) «من وضع نفسه موضع التهم، فلا يلومن من اساء الظن به».
القليل منا ذلك الذي يتحلى بالشجاعة ويخترق جدار الصمت عبر لقاء مباشر يطرح فيه ما بلغه ويطلب اجابة قد تؤكد او تنفي الظن الخطأ، فإن كانت الاولى فقد استبرأ لذمته واقام لنفسه الحجة على صاحب الظن ولن يعتذر يوم القيامة بالجهل، وان كانت الثانية فقد سلم من الظن الآثم، واذا كانت المواجهة المباشرة صعبة بالنسبة للبعض في بعض الحالات فإن من يبحث عن الاجر (.. وان اصلاح ذات البين من اعظم القربات الى الله) مطالب ببذل مساعيه الحميدة لتقريب الآراء، وازالة آثار الوشايات الظالمة بحكمة، وسيجد مثل هذا المسعى عونا من الله عز وجل بقدر ما تصفو النوايا.
كلمة أخيرة:
قال لي احدهم: أعرف شخصا طيبا ولكن بيني وبينه وحشة بغير اساس، لجأت الى الثناء عليه بغير علمه، سبحان الله، عندما لقيته رأيت وجهه متهللا، وقد تكرر ذلك معي في حالتين غيره، صحيح الارواح جنود مجندة.