فيصل الزامل
يرحم الله الاخ والصديق جاسم البحر، كان رحيله المفاجئ مؤثرا على محبيه وعلى الاسرة الاقتصادية في الكويت، فهو يمثل نمطا مختلفا من المستثمرين، لم يؤسس استثماراته على معطيات التضخم في الاسعار في العقار او غيره، بل كان يحرص على تقديم «اضافة» في جميع المجالات التي خاضها، سواء في المجال العقاري او في قطاعات الخدمات المالية او الصناعية وغيرها، هذا النوع من المستثمرين يترك خلفه مؤسسات لا تتأثر برحيله، وتقدم فرص الابداع لجيل كامل من بعده وتفتح ابواب الرزق للآلاف من البيوت، وتستقطب الى سوق العمل في كل عام العشرات من خريجي المعاهد والجامعات، هذا العمل مرهق الى ابعد الحدود، وتترتب عليه مصادمات كثيرة مع الروتين وتباين الاهتمامات والمصالح في ميادين العمل المختلفة، وبالذات في الظروف التي نعيشها في الكويت منذ سنوات طويلة.
اللافت في سيرة بوطلال، يرحمه الله، هو القدرة اللامحدودة على الكفاح فلم يكن في قاموسه كلمة «استسلام» ولم يعرف شيئا يسمونه «الانسحاب» بل كان استاذا في تغيير مواقع القتال اذا صحت العبارة، فعندما اشتدت التحديات امامه في الكويت كان من اوائل الذين انتقلوا الى الميدان الخليجي والدولي، فحقق هناك اكثر مما حققه في بلده، الامر الذي انعكس ايجابا على احوال شركاته المحلية كما هو معروف، هذا النمط من الرجال يستحق دراسة مفصلة لاستجلاء جوانب التميز لديه، وهي كثيرة، بهدف تكرارها في الجيل الجديد الذي يسمع بكثرة عن الاحباطات ويميل الى الاستسلام، او البحث عن مجالات الكسب السهل والسريع ما يؤدي الى وقوعه في المحظور بسرعة.
لقد عرف سوقنا المحلي ظاهرة التحالفات والتجمعات الاقتصادية، حيث تبحث كل مجموعة عمن يشاطرها الاهتمامات والقناعات وتتقارب مشاربهم في اسلوب العمل فيتحركون كمجموعة، وهي ظاهرة جيدة تنقل العمل من الفردية - حتى كمؤسسات - الى الجماعية التي تساعد على اقتحام ميادين ضخمة، وهي بديل جيد عن مفهوم «الاندماج» الذي كثرت المطــالبة به ولــم يتحــقق منه شيء، لا في القطاع المصرفي ولا الاستثماري لاسباب معروفة، ما جعل اسلوب التحالفات هو البديل الانسب لخوض غمار اعمال كبيرة، محليا وخارجيا.
بالطبع يتطلب النجاح في هذا التوجه استعدادات نفسية راقية تلتفت الى العنصر البشري في تلك المؤسسات، واهتماما لا محدودا في نقل الخبرة الى الصف الثاني، واذا حدث العكس وكان ميل القائد نحو الانفراد بالقرارات وتغييب الادارة المحيطة به عن مسار العمل فإنه لن يبني نظام عمل جماعي داخل شركته فضلا عن قدرته على بناء تحالف مع الآخرين، وهذه بالتحديد احدى اهم مميزات الراحل العزيز، فقد تحدث العاملون معه عن الفرص اللامحدودة التي اتاحها لهم، والدروس التي استقوها منه.
لقد اثر البطء في الانشطة المحلية وضيق الفرص في اسلوب حل الخلافات وهو امر تسامعت به اوساط خليجية، وكان له اثر سلبي على الكويت، الامر الذي جعل من نجاحات المجاميع الاستثمارية الكويتية الخارجية، وفي مقدمتها مجموعة جاسم البحر، مدخلا لتصحيح ذلك الانطباع وبناء عهد جديد في الخارج، يجدد الصورة البراقة للتاجر الكويتي في الخليج منذ القدم.
اسأل الله للراحل، جاسم البحر، الرحمة والغفران، ولاسرته الكريمة الصبر والسلوان، وللاسرة الاقتصادية في الكويت العبرة والاتقان.
كلمة أخيرة:
التقى مسؤول نفطي كويتي مع وزير الطاقة الهندي، في دلهي، الذي قال له: «زارني مسؤول من سنغافورة واخبرني انهم بصدد اقامة مشروع نفطي كبير في بلاده، ثم استشارني مع من اعمل في الخليج، قلت له الكويت، اتعرف لماذا؟» قال: «لا».
قال: «انا من مواليد مدينة بومبي، كنت اسمع منذ الصغر عن اجدادكم، اهلي كانوا يتحدثون عن اخلاصهم وامانتهم في التعامل باستمرار امامي، هذا هو السبب» انتهى.
انها دعـوة لنــا ولمن بعــدنا، للحفــاظ على ما اسسه لنا ذلك الجيل من سمعة جميلة.