فيصل الزامل
التصريحات المتبادلة بين إيران وواشنطن هي حرب كلامية عمرها يتجاوز الثلاث سنوات وليس على أرض الواقع مواجهة فعلية بين الطرفين ان لم نقل تنسيقا في تسليم العراق للنفوذ الإيراني، وما يهمنا هو ان دول الخليج تعرف هذه الحقيقة وتتخذ موقف من لا يتمنى للمنطقة الدخول في مغامرات جديدة، لهذا ترفض استخدام أراضيها في أي مواجهة بين طهران وواشنطن، وتستقبل الرئيس أحمدي نجاد في قمة «التعاون» التي عقدت في الدوحة وغير ذلك من أمور تطلبت من الجانب الإيراني القدر نفسه من الحرص على تطوير العلاقة بين ضفتي الخليج.
لقد اختلفت الكويت مع السياسة الأميركية الخارجية في عدة مواقف سواء في الملف الفلسطيني أو في رفضها منح عقود لشركات أميركية بغير الاسلوب التنافسي، مثلما حدث مع شركة انرون، هذه المساحة في حق الاختلاف مع واشنطن هل هي متاحة مع طهران أيضا؟
لن ألتفت الى التصريحات، وما أكثرها، فإغلاق مدخل الخليج غير ممكن كونه لا يختلف عن إغلاق مضائق تيران التي كانت اشارة بدء العمليات العسكرية المسماة «حرب 67»، الأهم من تلك التصريحات هو تساؤلات حول مستقبل المنطقة وفق المنظور الإيراني، هل هو في النمط الذي سلكته أنظمة عربية اخرى، أعلنت عن برامج عسكرية وصواريخ «الظافر والقاهر» واعلام أحمد سعيد وتصدير ثورة... إلخ، هل التاريخ يعيد نفسه يا اخواننا في طهران؟ انني عندما أشاهد الألوف من الحجاج والمعتمرين الإيرانيين، كلما أتيح لي أداء العمرة، أشعر بمدى التصاق اخواني القادمين من الجمهورية الاسلامية الإيرانية بهذا الدين وتمسكهم بشعائره، ولن يسرني أبدا تكرار تلك التجارب الفاشلة على أراضيهم، تجارب مريرة جعلت أجيالا بأكملها تترحم على العهود التي سبقت عصر الثورة أو الانقلاب، واذا كانت تلك الأنظمة قد اعتبرت ان «التصدير» هو وسيلة جيدة لإشغال الشعب عن المطالبة بتحسين الأوضاع على أساس انه «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» فإن الأجيال الحالية في إيران قد شاهدت ما فعلته الحروب الكثيرة ولا ترغب في المزيد، في الوقت الذي تسمع عن نهضة شاملة على الضفة الأخرى من الخليج، ولا فارق بين الجانبين في فوائد أسعار النفط وما حققته من فوائض مالية الا في حسن توجيه تلك الفوائض.
ما صرح به السيد وزير الخارجية الشيخ د.محمد الصباح من دعوة لمراعاة وتثمين جهود دول الخليج ومواقفها المعلنة تجاه إيران، على أساس «رد التحية بأحسن منها، أو مثلها» واذا كان هناك من يصرح في طهران بشكل منفلت فلتصدر تصريحات أخرى تعبر عن معاني الاخوة بين ضفتي الخليج لتعزيز المواقف الإيجابية بدلا من دفعها الى التحسب وأخذ الحيطة والحذر على أساس التجارب السابقة مع العراق، وبالنسبة لمن يراهن على الارتباط الايديولوجي فإنه مطالب بإخلاص النصح بدلا من نشوة لا معنى لها، قد رأينا مثلها من آخرين عضوا بعدها أصابع الندم!
لقد علمتنا التجارب ان هناك من دفع بصدام حسين الى رفض الانسحاب من الكويت عام 1991 وهو يعلم ما سيلاقيه، في رغبة محمومة للانتقام مما حدث للعائلة الهاشمية المالكة في العراق عام 1958 والأفضل لطهران ان تصدر نصيحة مخلصة كالتي طرحها الشيخ د.محمد الصباح من اسلوب «يا جبل ما يهزك ريح» الذي رأينا نتائجه.
كلمة أخيرة:
«حسين الفضالة» مواطن كويتي عادي كان يمارس صيد السمك، عندما اقتادته دورية من البحرية الإيرانية الى إيران منذ أكثر من شهرين، وهي مدة كافية لإجراء التحقيقات معه التي ربما كشفت انه كان قد انقذ سفينة صيد إيرانية العام الماضي بعد ان تعطلت محركاتها، فلماذا الاستمرار في احتجازه؟ لقد تم توقيفه في المياه الدولية وليس في المياه الاقليمية الإيرانية حسب رواية الشهود، ولا نعلم سببا لمنع أي كان من التعرف على وضعه، وهو أمر نأمل ان يشهد نهاية سارة، مع الأخذ في الاعتبار الجانب الإنساني له ولأسرته التي تعيش في معاناة لا حدود لها جراء غيابه.