فيصل الزامل
قبل سنوات وفي ذروة الانتفاضة الفلسطينية قلت لأحد الأصدقاء: «عندما تستمع الى ياسر عرفات وهو يدعو الى وقف الانتفاضة ولا تجد أحدا يلتفت اليه، هل تعتقد ان الشيخ احمد ياسين لو اعلن عن وقف الانتفاضة فسيجد استجابة من الشارع الفلسطيني أم لا؟»، قال «نعم»، مرت سنوات تم خلالها اغتيال الشيخ احمد ياسين بواسطة طائرتي هيليكوبتر اسرائيليتين اثناء خروجه من صلاة الفجر وبارشاد من عميل وضع اداة ارشاد على كرسيه المتحرك حتى يتم قصف رجل في السبعين من عمره مشلول بصاروخين وليس برصاصة، وما اود الاشارة اليه هنا ان وجود هذا الرجل كان سببا لتوجيه الانتفاضة نحو اسرائيل فقط، وكان بمنزلة السد المنيع ضد محاولات الايقاع بين الفلسطينيين رغم ان اعداد المعتقلين من قبل السلطة بقيادة ياسر عرفات آنئذ كانت في تزايد وبشكل يومي تقريبا، الامر الذي اصبحت معه ازالته من الساحة هدفا اسرائيليا استراتيجيا، وهاهي اسرائيل تحصد الجائزة بعد ان تحولت الانتفاضة نحو صدور الفلسطينيين انفسهم بعد غياب الشيخ احمد ياسين.
مناسبة هذا الحديث هو صمت الاعلام الفلسطيني والعربي عن جريمة اغتيال الشيخ ياسين قبل سنوات والسكوت عن الهدف الاكبر من ورائها، مقارنة مع الاهتمام الكبير بغياب الشاعر محمود درويش في وفاة طبيعية رافقتها حملة وصلت الى ذهاب وفد يمثل السلطة من رام الله الى هيوستن في اميركا للمشاركة في انتقال جثمان الشاعر الى مسقط رأسه، وقد قرأت قبل ايام مقالا يتساءل عن دور «الشيوخ الفلسطينيين» في وقف الاقتتال بين حركتي حماس وفتح، ووجدته يسمي رموز السلطة ومشايخ السن من الاحزاب الفلسطينية العتيقة، ومرة اخرى مع تجاهل الشخص الاكثر تأثيرا الذي تم تغييبه ليس جسديا فقط بل معنويا، يقابل ذلك حضور شخص عرفات المعنوي، الامر الذي يجعل عملية تصفية الشيخ ياسين مفيدة ليس لاسرائيل فقط، لكن ايضا لحلفائها الذين لا يخفون سرورهم بغيابه.
القسوة عند تباين الاتجاهات السياسية في المجتمعات العربية ليست كمثلها في الغرب ففي فرنسا تجد رئيس وزراء اشتراكيا مع رئيس دولة مخالف له في الاتجاه يعملان «معا» لمصلحة شعبهما مهما تفاوتت اجتهاداتهما، بينما الوضع عندنا مختلف حيث يسود الاقصاء وتغيب فروسية الاختلاف ليس في ظروف طبيعية فقط كما في الكويت او في مصر، بل في ظروف غير طبيعية مثل فلسطين التي تواجه عدوا لديه اجندة لاستئصال شعب بأكمله وترحيله الى البلاد المجاورة، ومع ذلك فهم يمارسون الاقصاء بل الاستئصال لبعضهم البعض وفق المخططات الاسرائيلية حرفيا!
لقد اختلف جمال عبدالناصر مع حركة الاخوان المسلمين على النحو المعروف، الا ان ذلك لم يمنعه من الاشادة بحسن البنا في احدى خطبه مستذكرا دوره في تاريخ مصر الحديث، ولا نجد اليوم في الصف الفلسطيني من يستذكر الشيخ احمد ياسين الذي غيبته اسرائيل «جسديا» ثم غيبته السلطة الفلسطينية «معنويا» في واحدة من اغرب صور التنكر لدوره الكبير في منع انقسام الشعب الفلسطيني وتناحره على النحو الذي يجري الآن.
كلمة أخيرة:
وصل صديق كويتي الى غرفته بالفندق في لندن يرافقه احد موظفي الفندق، صادف انه عراقي الجنسية، واصر على ان يعطيه شيئا من المال وقميصين جديدين، قال الموظف «تعمل هذا معي بعد كل ما حصل من جماعتنا معاكم؟»، قالها وهو يغالب دمعته،
فقال له صاحبي «احنا اخوان طال الزمان أو قصر، الظفر ما يطلع من اللحم».