فيصل الزامل
قبل سنوات استمعت مع عدد من الاصدقاء الى شخص من اهل حائل وهو يقول «كنت اذهب مع ابلي الى المراعي اياما طويلة آكل معها واشرب منها وانام بينها لا اعرف الاغتسال ولا النظافة وحالي كحال ابلي، حتى اعلن الامير مقرن بن عبدالعزيز عن توزيع وادي الخطة - بحجم وادي البقاع في لبنان - الى قسائم زراعية كبيرة، وطلب من كل قبيلة دعوة افرادها المنتشرين في الصحراء لتمليك كل اسرة واحدة من تلك القسائم، وتم حفر آبار ارتوازية لكل مجموعة مزارع، وتولى المهندسون الزراعيون تركيب شبكة ري بالتنقيط، وصار لنا مورد رزق وسبب للتجارة بالخضراوات والدواجن وغيرها، ثم طلبت منا الدولة تولي مهمة ايصال ابنائنا الى المدارس، ويتقاضى الاب اجرة توصيل عشرة ريالات عن كل طالب في اليوم الواحد، والآن اقيم في منطقة سكنية حية فيها اسواق ومدارس ومساجد والعاب للاطفال، اين هذا من حالي السابق؟»، انتهى.
اننا لو اخذنا عام 1950 كنقطة انطلاق لقياس الفارق التنموي بين هذه الصحراء ودول كانت تفيض بالحضارة، لرأينا انها خلال نصف قرن تحولت الى تخلف مخيف مقارنة بما كانت عليه في عام 1950، بينما اصبحت تلك الصحراء تصدر منتجات الالبان الى بلاد الانهار التي امتلأت ارفف اسواقها بالحليب واللبنة وغيرها من انتاج بلاد صحراوية تحول ابناؤها من حياة الترحال الى ادارة الدولة بواسطة احدث تقنيات التكنولوجيا، ووصل الحال بدول الحضارات العريقة الى ان يكون العامل البسيط اكثر كسبا من خريج الجامعة، ويفضله الناس زوجا لبناتهم على المتعلم، اي حال وصلت اليه تلك الدول؟ ولماذا؟
اللافت للنظر ان قادة الانظمة الجمهورية في الغالب لا يسرقون بلادهم بطريقة شخصية - على الاقل في القرن الماضي - لكن السرقة تتم لمصلحة طبقة استحدثوها كالضباط الذين تحولت اليهم الامتيازات والرواتب المرتفعة او الهيئات الشعبية.
«المستضعفين» حاليا، والاتحاد الاشتراكي واللجان الشعبية وحزب البعث.. الخ، هذه الكيانات مسؤولة بشكل مباشر عن تراجع التنمية كونها تمثل مصنعا كبيرا للشعارات التي تصب بمنافعها فقط على المنتمين الى تلك الكيانات وليس للشعوب نصيب يذكر رغم ان بعض تلك الجمهوريات تملك ثروات نفطية وزراعية وحتى صناعية، لكنها مسخرة لخدمة الشعارات وتصدير حروب عبثية او مستنزفة في حماية الحزب وليس الشعب الذي ربما سقط فريسة للادمان - في ايران مليون مدمن - لكن لا تستطيع الاجهزة الامنية محاربة المهربين لانشغالها بمهام اخرى، وها انت ترى ان في دول الخليج هناك دول تأثرت جزئيا بالنظام الجمهوري بالطريقة الشرقية، كالكويت، واخرى تجاهلته تماما، لهذا نجد ان الكويت قد نالها شيء من ذلك الحال من شعارات التخوين التي توظف لغير مصلحة الناس أو التنمية، وانتقل اليها الروتين المدمر وما صاحبه من ظواهر مرضية كالرشوة وابتكار دورة مستندية طويلة تخدم سلطوية فارغة هي سمة بارزة في الانظمة التي تحدثنا عنها.
لقد تخلصت دول الخليج من الاستعمار البريطاني بشكل سلمي ورحل الانجليز طواعية، لهذا لم تناصب بعض من دول الخليج بريطانيا العداء بالشكل الذي مارسته الجمهوريات العربية ما فتح الباب للافادة من الادارة الحديثة، بينما التزمت الجمهوريات بادارة المانيا الشرقية وسلاح الروس ومستشاريهم الفاشلين الذين طردهم السادات، قبل ان ينقلب عليهم غورباتشوف بعشرين عاما.
آن الاوان لمواجهة حساب ارباح وخسائر مرحلة مأساوية لايزال البعض يكررها بطرق مختلفة تظن ان لهجة التحدي هي كل ما يعجب المواطن في بلادنا العربية والاسلامية.
كلمة أخيرة:
اعتذر الاستراليون عن اخطائهم، ولن تعتذر احزاب عربية عما فعلته في المواطن العربي الذي هاجر الى استراليا وسائر انحاء المعمورة هربا من بطشها، يصدق فيهم وصف الحق تبارك وتعالى (الم تر الى الذين بدلوا نعمة الله كفرا واحلوا قومهم دار البوار).