فيصل الزامل
قال: «ذهبت لحضور اجتماع مجلس ادارة في شركة مقرها لندن وجهزت نفسي لانتقاد الإدارة بسبب المصاريف المرتفعة، سبقني شخص آخر امتدح أداء الإدارة وأثنى على المشاريع التي حصلت عليها وما وقعت عليه من اتفاقات مع شركات متخصصة وأشار الى أن بند الصرف مقارنة بما تحقق هو انجاز كبير، فحمدا لله أنني لم أسبقه بالكلام، رأيه صحيح جدا» هذا نموذج للتفريق بين التفكير التقليدي والإبداعي، نموذج آخر جرت فيه مناقشة كثرة الجمعيات الخيرية قال أحد المبدعين «الحاجات الاجتماعية كثيرة جدا، هناك مرضى لا تشملهم أنظمة العلاج، الطلاق، العناية بالقرآن الكريم وعلومه، الاهتمام بالعاملات في المنازل ومشروع وزارة الأوقاف «بريرة» في هذا المجال، الاهتمام بالشباب واعداد برامج ترفيهية لهم، وكثير من الأعمال التي تحتاج الى جهود متنوعة لا تستوعبها جمعية واحدة، يكفي أن تستوعب هذه الجمعيات طاقات العاملين وتبعدهم عمن يتصيدهم لأغراض هدامة من كل لون».
التفكير غير التقليدي رأيته قبل سنوات طويلة من الشيخ محمد الأشقر بشأن مكتبات المساجد، اشتكى اليه المؤذن من أن الشباب يفتحون المكتبة وكلما رتب الكتب وجدها غير مرتبة ويحتاج الى قفل للحفاظ عليها، فقال له: «هل وضعت المكتبة لتقفل؟ أعد الترتيب كل يوم، الهدف هو تشجيع القراءة والتعلم وليست المكتبة للديكور» ولو انتقلنا الى التفكير التقليدي لدى مسؤولين يتحدثون عبر الإذاعة ويجيبون عن أسئلة المواطنين، بعضهم يجيب عن أسئلة كثيرة بقوله «هذا ليس من اختصاص ادارتنا» ويكون مسرورا بالتخلص من السؤال، بدلا من أن يجيب عن الاستفسار بالقول «هذا من اختصاص ادارة كذا في الوزارة وسأوصل اليهم ملاحظتك»، ولا أزال أذكر كلمة العم محمد المعوشرجي عندما كان مديرا عاما لبلدية الكويت قبل عشرين عاما، وهو يعلق على انتقادات الصحافة بقوله:-«الصراحة نحن نستفيد كثيرا من تلك الانتقادات، أحيانا هناك من يقاوم التغيير والتطوير في العمل، تساعدنا الانتقادات لإقناعه بضرورة التغيير، وأحيانا لا نرى أخطاء يحرص البعض على اخفائها، فتساعدنا الصحافة في هذا الجانب» وهو تفكير غير تقليدي حرصت على التعليق عليه في أول مقالة كتبتها على الصفحة الأخيرة في جريدة القبس عام 1984 بعنوان «بوخالد، والشفافية».
الموظف التقليدي هو الذي يفرح لوجود نواقص في معاملة المراجع، ولا يهتم اذا أدى رفضه الى ضياع حقه، وغير التقليدي هو الذي يقرأ الأوراق، ويفرح اذا وجد معلومة تساعد المراجع، مثل «الإيصال مو معاك، طيب هذا تاريخ المعاملة راح أكتب لك الطلب، وعندما ترجع لتسلم المعاملة أحضر معاك الإيصال» أخبرني صديق أنه أراد ارجاع تذكرة سفر بسبب عدم تمكن أخيه من السفر، الجواب «راجع مبنى الكويتية»، المواطن «التذكرة مكتوب عليها لا تسترد بعد اقلاع الطائرة؟ الآن باقي ساعة على الإقلاع»، الموظف «الكمبيوتر ما يشتغل»، المواطن «وتروح قيمتها علينا؟أحتاج ما يفيد حضورنا قبل الإقلاع».
وبعد الاستعطاف وكلمات «انت ما تقصر، كثر من أمثالك يا الزين، يا الحبيب..الخ» وافق على اثبات حقه باسترجاع قيمة التذكرة!
الأسلوب غير التقليدي هو الذي جعل موظف غرفة تجارة أبوظبي يأخذ المعاملة من مواطن كويتي أراد استخراج شهادة منشأ لنقل معدات من الإمارات، ولما أراد المراجع ملاحقته بين المكاتب قال له «استرح، عندنا المعاملة هي التي تتحرك، وليس المراجع» يقول «جلست ومن حولي يجلس العديد من المراجعين، الموظفون يروحون ويجيئون، وقد أنهوا معاملاتهم» وفي الكويت تجد في بعض الإدارات شباكا من الحديد، فيه فتحة صغيرة جدا لتمرير المعاملات الى موظفين من الشباب يتضاحكون، وهم يتفرجون بسعادة على منظر الازدحام خلف قضبان حديدية سميكة، يتضاغط من ورائها الناس في حر شديد ومعاناة لإنجاز مخالفات مرور وما شابه.
كلمة أخيرة:
زار الشيخ محمد بن راشد إحدى الدوائر الحكومية في دبي، ووجد حاجزا زجاجيا يفصل بين الموظفين والمراجعين فأمر بإزالته لعدم الحاجة اليه، لا توجد أموال ولا أي مبرر لتلك الحواجز، سوى أن شخصا ما وضعها قبل سنوات بعيدة، ولم يأت آخر ليزيلها بفكر غير تقليدي.